الانقلابات.. وجع إفريقيا

فضيلة دفوس
21 نوفمبر 2017

في الوقت الذي كنّا نعتقد فيه بأنّ عهد الانقلابات العسكرية قد ولىّ إلى غير رجعة في إفريقيا، استيقظنا على انقلاب جديد استهدف هذه المرة رئيس زيمبابوي روبيرت موغابي، الذي ظل في السّلطة لما يقارب الأربعة عقود.
وبغضّ النظر عن مسار هذا الانقلاب، فإنّه بالمقابل أعادنا إلى واقع الانقلابات العسكرية الأليم، الذي ظلّت القارة السّمراء تعانيه وتتجرّع تبعاته القاسية على استقرارها وأمنها وتطوّرها، وتدفع كلفته الغالية اقتصاديا واجتماعيا.
تنحية موغابي، بغض النظر عن مشروعية دوافعها من عدمه، مرّرت السّكين على الجرح وأحيت كابوسا كنّا نعتقد بأنّ الدّيمقراطية النّاشئة وضعت له حدّا منذ سنوات، حيت تجلّى بوضوح أنّ الانتخابات وصناديقها ليست طريق التّغيير الحتمي للحكم في إفريقيا، إذ مازالت الانقلابات وتنحية الرّؤساء بالقوة حقيقة مرّة تقع في أكثر من دولة،
وتثير توتّرات تصل في كثير من الأحيان إلى حروب دموية مدمّرة.
إفريقيا، ومند بداية استقلال بلدانها في ستينيات القرن الماضي، وهي تعاني من الانقلابات العسكرية، حتى بات الحاكم لا يأتي إلى السّلطة فيها إلا على ظهر دبابة، ولا يغادرها إلاّ مقتولا أو مسجونا، وفي أحسن الأحوال هاربا ومنفيا.
ورغم ما بدا خلال السّنوات الماضية من أنّ القارة السّمراء قد قطعت بشكل شبه نهائي مع أسلوب التغيير بالقوة، وبأنّها تقدّمت أشواطا في البناء الديمقراطي الذي يعتبر انتخاب الرّئيس من ركائزه الأساسية، ها هو الواقع يثبت بأنّ من شبّ على شيء شاب عليه، لتسجّل إفريقيا منذ بداية الألفية الثالثة فقط 12 انقلابا عسكريا، والرّقم كما نرى رهيب ويترجم بوضوح السّبب الحقيقي الذي يجعل هذه القارة برغم ما تكتنزه من ثروات وخيرات في آخر سلم التطور العالمي.
التّغيير بالقوة، هو بالفعل وجع إفريقيا الكبير بما يخلقه من عدم استقرار سياسي، وتدهور اقتصادي وضرر اجتماعي، فتوالي الانقلابات العسكرية فوّت ولا زال على بلدان القارة فرصا ثمينة كان يمكن توظيفها في خلق نموذج تنموي، وهو ما تدفع هذه البلدان كلفته اليوم من خلال التّهديدات الإرهابية والتخلف والهشاشة الاجتماعية والاقتصادية والهجرة المتنامية.
والحقيقة أنّ الاتحاد الافريقي أدرك حجم هذا الوجع، فوضع على عاتقه مند تأسيسه مهمة محاربة ظاهرة الانقلابات العسكرية ليس بالإدانة والشّجب، وإنما من خلال فرض عقوبات على الانقلابيين وعدم الاعتراف بحركتهم، وتعليق عضوية الدولة التي تتعرّض لتغيير نظامها بالقوّة.
كذلك، ومن أجل وضع نهاية لهذه الثّقافة المتجذرة في القارة، تولّت المؤسسات الافريقية المختصّة فرض عقوبات اقتصادية على الدول التي يحدث بها انقلابات عسكرية، لإرغامها على العودة إلى الحكم  الشّرعي.
لكن ورغم أنّ هذه السياسية الأفريقية أسفرت في العقد الأخير عن العديد من الانتخابات الديمقراطية، وحقّقت التّغيير السلس للسّلطة في أكثر من دولة، وجنّبت إراقة الدّماء، إلاّ أنّ ما يحصل من انقلابات بين السنة والأخرى، يؤكّد للأسف الشّديد بأن أفريقيا بحاجة إلى مزيد من الجهد لاستكمال البناء الديمقراطي، وتحقيق الاستقرار السياسي الكفيل بتوفير الأرضية الخصبة لإطلاق التنمية وجلب الاستثمارات،
ومن تم صيانة الأمن من تهديد الإرهابيّين الذين يستغلّون دوما الفجوات التي يحدثها عدم الاستقرار السياسي في أي دولة ليتغلغلوا  فيها، ويجنّدوا أبناءها النّاقمين في صفوفهم.
إفريقيا تملك من الإمكانيات البشرية والمادية ما يجعلها قارة المستقبل، فقط هي بحاجة إلى استقرار سياسي واجتماعي لا تحقّقه استعراضات القوة بل صناديق الانتخاب، فهل ستتخلّص السّمراء يوما  من كابوس الانقلابات؟

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19634

العدد 19634

الأربعاء 27 نوفمبر 2024
العدد 19633

العدد 19633

الثلاثاء 26 نوفمبر 2024
العدد 19632

العدد 19632

الإثنين 25 نوفمبر 2024
العدد 19631

العدد 19631

الأحد 24 نوفمبر 2024