تحتل الصّادرات خارج قطاع المحروقات الصّدارة وتندرج ضمن الأولويات، غير أنّ هذا يستوجب الانطلاق بسرعة في تهيئة أرضية حقيقية للتصدير، من خلال الاستفادة من تجارب بلدان أخرى نجحت في إيصال العديد من منتجاتها وخدماتها، ذلك أنّ السّوق لا ينتظر ومن تغلغل أولا يمكنه فرض سيطرته فيما بعد. فالقاعدة تقتضي أن السوق يتجاوب مع الأسرع والأجود، وكذا الأقل كلفة.
صحيح أنّ المؤسّسة الإنتاجية مازالت تشهد العديد من النقائص حتى تواكب تنافسية الأسواق الداخلية والخارجية، وهي مطالبة بأن ترفع من وتيرة أدائها مع العناية بنوعية كل ما تطرحه من منتجات، لأنّ الأسواق تحتاج إلى تدفّق السّلع التّنافسية. وإن كان للجزائر ما تصدره في الوقت الحالي من منتجات فلاحية، وبعض الصّناعات التحويلية على وجه الخصوص وإلى جانب منتجات إلكترونية وكهرومنزلية يمكن أن تجد طريقها إلى أسواق عربية وأخرى إفريقية، لكن كل ذلك لا يكفي ولا يعكس القدرات المتوفّرة والإمكانيات التي تحتاج إلى استغلال.
لذا صارت تحتاج إلى رؤية محدّدة ودقيقة لتسليط الضوء على قائمة ما يمكن تصديره بشكل منتظم وبكميات معتبرة، ولعل المهمّة ينبغي أن تسند إلى مؤسسات مختصّة في عملية تصدير مختلف المنتجات، لأن المنتج لا يملك العديد من المعطيات ولأن مسؤوليته بالدرجة الأولى طرح إنتاج موافق لمعايير الجودة.
في هذا الإطار تبرز حاجة ماسّة إلى استحداث مؤسسات وهيئات متخصصة تسند لها مهمة التصدير في أقرب وقت ممكن، حتى يتسنّى الحديث عن الانطلاقة الحقيقية في ولوج أسواق خارجية، وبالتالي من شأن ذلك أن يشجّع المؤسسة الاقتصادية على تجاوز نقائصها من خلال حرصها على توفير منتجات عالية الجودة حتى تفعل وتوسع من استثماراتها وتجد مكانا لها عبر الأسواق، ولعل التخصص في التّصدير يمنح هذه الشّركات الحنكة والخبرة والدراسة الأولية لوجهة السلع المصدرة، إلى جانب الاهتمام بالشكل الخارجي لكل منتوج يصدر.
لذا إنّ أول خطوة لبناء خارطة للتّصدير تكون من خلال التحكم في دراسة تشخيصية للأسواق، ثم مواكبة المؤسسة الإنتاجية للتكنولوجيات الجديدة، وإن اقتضى الأمر بناء شراكات مع الأجانب للاستفادة من خبرتها وتجربتها، حتى تكون بالفعل بحجم تحدي الأسواق التي باتت اليوم هدفا جوهريا لخوض معركة التصدير. ولأنّ السنة القادمة تفرض جملة من التحديات فإن التوجه بقوة إلى إرساء مسار للتصدير يتطلّب توفير بعض الشروط مثل ضبط قائمة المنتجات القابلة للتصدير التي تصدر من غير المحروقات، واستكمال حلقات السلسلة ببروز متعاملين مؤهلين حتى لا يبقى التصدير متذبذبا.
بالتّأكيد توجد مبادرات ناجحة لبعض المؤسّسات التي دخلت معركة الأسواق الخارجية، وحتى لا تتعطّل فإنّ السّاحة تتطلّب مزيدا من الجرأة من متعاملين يتوفر لهم الميدان، وفي ظل إحاطة المؤسّسة الإنتاجية بكافة الإجراءات المحفّزة بالرغم من تداعيات الصدمة المالية الخارجية. إنّها مسالة قناعة واحترافية أكثر ممّا هي مغامرة وارتجالية.