تواجه الجماعات المحلية غداة محليات 23 نوفمبر جملة من التحديات الاقتصادية والاجتماعية، ويكون المنتخبون الجدد في مواجهة ملفات تتطلب إرادة قوية وصادقة في تسيير الشؤون المحلية برؤية جديدة تضع الجماعات المحلية خاصة البلدية في مقدمة مسار النمو.
ولعل من أبرز المعايير التي تفرض نفسها انتهاج خيار الحوكمة وترشيد النفقات ونجاعة الأداء في معالجة الاستثمار المحلي وبعث المقاولاتية بالتوجه بشكل أوسع نحو الشباب خاصة خريجي الجامعات وحاملي المشاريع الصغيرة. وتتوفر عوامل إيجابية عديدة توفر للبلديات والولايات في المدىين القصير والمتوسط مناخا محفزا على إطلاق المبادرة مثل استحداث مناطق للنشاطات ورصد الدولة ضمن قانون المالية 2018 غلافا هائلا بمائة مليار دينار تخصص للبلديات من أجل بعث مخططات التنمية البلدية، غير أن تسيير هذه الموارد يقتضي أن يتمتع المسؤول المحلي بنظرة شاملة ويدرج الاستثمار في أولويات المرحلة مع التزام الحرص على بلوغ أهداف التنمية بجانبيها الاقتصادي والاجتماعي.
عمل كبير ينتظر من يتولون الشأن المحلي بمختلف ألوانهم، فالمطلوب أن يساهموا في تغيير الطابع التقليدي للجماعات المحلية إلى طابع عصري من خلال تحويلها إلى فاعل اقتصادي قادر على إنتاج الثروة وتنمية المداخيل وتقليص الدعم العمومي من الخزينة العمومية للدولة دون المساس بمكاسب المجتمع. ولم تعد هناك من مبررات يتخفى وراءها الاتّكاليون والمتردّدون في ظل تداعيات الصدمة المالية الخارجية، التي بقدر ما هي نقمة بقدر ما هي نعمة كونها تفرض اللجوء إلى حلول محلية لمشاكل محلية، بمعنى قدرة البلدية مثلا على الدخول في استثمارات ملائمة تستجيب لاحتياجاتها وتستوعب الطلب على الشغل مثل إنشاء مؤسسات في أنشطة تدر مداخيل إضافية وتقلص من أعباء المناولة التي ترهق الميزانية.
ومن شأن الصياغة المرتقبة لقانون الجماعات الإقليمية أن يعطي نفسا لهذه المؤسسات بإدراجها كعنصر فاعل في ديناميكية الاستثمار بحيث تتحول البلدية من متلق للدعم إلى منتج للثروة ولو بالتدريج خاصة وأن الفرص متاحة في أكثر من مجال مثل الفلاحة والسياحة والخدمات، فقد ولى عهد التراخي واللامبالاة خاصة بالنسبة لإدارة أملاك البلديات ذات الطابع التجاري، وهي كثيرة من محلات ومخازن وعقارات مختلفة وأسواق تعاني من سوء التقدير مقارنة لقيمتها في السوق، ولطالما تعرضت لسوء الاستغلال والإيجار بأسعار رمزية لأصحاب النفوذ وجماعات المصالح.
لقد أصبح من الضروري اليوم أكثر من أي وقت مضى أن يرتدي مسؤولو الجماعات المحلية ثوب المتعامل الاقتصادي الحريص على موارده وأملاكه والمدرك للتحديات والرهانات والمتحكم في مؤشرات وحركية السوق خاصة فيما يخص التطورات التي يعرفها عالم الاستثمار، وسوف تكون المنافسة شديدة لاستقدام مستثمرين ليس بالنمط القديم المثير للشبهة وإنما بأسلوب يتميز بالشفافية ومن خلال حصيلة هذا المنتخب أو ذاك فقط يمكن الطموح لمناصب عليا مثل مجلس الأمة الذي يمنح مقعده للمنتخب المحلي الذي يقدم حصيلة ناجحة وملموسة في جذب المشاريع وتنمية المداخيل للبلدية أو الولاية.