رافق الكتاب التاريخي مراحل بناء الدولة الحديثة، مقدما الكثير من الإضافات إلى المشهدين المعرفي والفكري، تحدث عن كل التجارب السابقة ورافق صيرورتها حقبة وراء حقبة، فاتحا الكثير من الأسئلة التي مازالت تطرح نفسها بحدة وبقوة كلما اقترب موعد الصالون الدولي للكتاب أو أية مناسبة تاريخية تكون المراجع فيها غائبة لأسباب عدة.
تكاد الكتب التاريخية تعد على العشرات أمام حقل معرفي كبير جدا، وغني بالمعلومات والحقب التاريخية، أو ربما لا تفي بالغرض المطلوب أمام الملايين من الطلبة الجامعيين الذين تخرجوا وهم في حاجة إلى معلومات وشهادات ووثائق تساعدهم في بحوثهم الأكاديمية خلال التخرج في الشهادات العليا أو غيرها، ما يضطرهم إلى تغيير المواضيع التاريخية، لأن المراجع فيها نادرة وصعب الحديث عن مذكرة تخرج عدد مراجعها يقل عن المائة.
إن ما تقوم به بعض دور النشر هو استهتار بالقيمة التاريخية ومحاولة إفشالها بالنظر إلى الكم الهائل من الكتب الدينية والعلمية والأدبية وغيرها وإن لم نكن بصدد إصدار أحكام جاهزة عن قطاع معرفي مهما كان، إنما الأمر من باب العدل وعدم تجاوز الآخر، فهناك التي تطبع سنويا وهي بملايين النسخ، في كل مرة يعاد طبعها، في أشكال جديدة وإخراج أكثر حداثية من سابقاتها.
إن خيار الكتابة التاريخية قائم على «ثقافة الذات» واحتكار المعلومة دون تسويقها وجعلها متداولة بين العامة، سواء من خلال المذكرات أو الشهادات الحية أو السيير الذاتية، أو ما تمارسه بعض الإدارات من عدم السماح بإعادة طبع بعض الكتب النادرة، لأسباب أقول إنها ليست علمية ولا أكاديمية، بل هي دوافع واهية، القصد منها التقليل من القيمة المعرفية لحقل التاريخ كمجال للبحث والدراسات.
صحيح أن بعض التقاليد بدأت تكرس عبر بعض مراكز الدراسات التاريخية وما قبل التاريخ، إلا أنها محاولات محتشمة جدا، لأنها هي الأخرى وقعت فريسة الرفوف الميتة، وساهمت في وأد الحقيقة التاريخية بدفن هذه الكتب دون مرورها على المؤرخين، لغربلتها وفق المنظور العلمي القائم، سواء في البحوث أو الدراسات.
وإن كانت بعض المحاولات التي رأيناها في متاحف المجاهدين، مثل جمع الشهادات التاريخية من أفواه صناعها ورجالها، فالعملية في حد ذاتها تعتبر قفزة نوعية لهذا الإرث التاريخي الحافل بالواقع والإنجازات وهذا لا يمنع أيضا أن تمر بدورها نحو القنوات المعمول بها في تقصي الحقائق وإسقاطها في المناهج البحثية المتعارف عليها.
إن أمة بلا تاريخ هي أمة تسير بخطى غير ثابتة، تضع قدما في المجهول وأخرى غارقة في الوحل ..تنكر ذاتها المفعمة بالحقائق المغيبة، وتستحي من مواجهة حقيقتها وواقعها، لذلك حري بنا رفع هذا الغبن عن ذواتنا ومواجهة الأشياء كما هي واحترام هذا التاريخ الذي نحن مخرجاته.