يتجّه سعر النفط منذ نحو عشرة أيام صوب المنحى التصاعدي الذي يؤشر لاستعادة تعافيه بعد تجاوزه عتبة الـ60 دولار بل واقترابه من سقف الـ 64 دولارا أمس، بفعل تقاطع العديد من العوامل خاصة منها الجيواستراتجية، وهذا من شأنه أن يعزّز الثقة في مسعى تخفيض الإنتاج إلى ما بعد شهر مارس 2018، خلال الاجتماع المرتقب لدول منظمة «أوبك» نهاية شهر نوفمبر الجاري.
وفي خضم تحسن المناخ الايجابي لسوق المحروقات، تعتزم الجزائر على السير نحو إرساء استثمارات يمكن وصفها بالمهمة، سواء الغازية منها أو كل ما يتعلق بالبترول ومشتقاته وحتى كل ما يخص تصنيع تجهيزات الحقول النفطية التي كانت تتطلب كلفة معتبرة لاستيرادها، من دون الإخلال بالتزاماتها أمام زبائنها.
وفي ظلّ هذه الحركية والرؤية المستقبلية الدقيقة، يمكن القول إن مجمع سونطراك أدرك فعليا التحدي القائم الذي لا يمكن مواجهته إلا بتوفر سلسلة من الشروط:
أولا: تجميع قدرات هذا المجمع الرائد إفريقيا، ومن ثم التركيز على تحسين النجاعة عبر مختلف مستويات الإنتاج.
ثانيا: رصد 50 مليار دولار، بمعدل 10 ملايير دولار في السنة من أجل إنجاز استثمارات جديدة.
ثالثا: الثقة في الموارد البشرية وتثمين الكفاءات الموجودة على مستوى مواقع الإنتاج.
رابعا: مجمع سونطراك مطالب في عام 2018، بالتحكم في النفقات غير الإنتاجية وترشيدها.
وبالنظر إلى التحولات التي تعرفها السوق وتتطلبها وتيرة تطور الأداء، أصبح مجمع سونطراك يعي جيدا أهمية بناء شراكات لتعزيز الجانب التصنيعي، تلبية لمتطلبات نشاطات المنبع من معدات وتجهيزات حقول النفط، في إطار القاعدة الاستثمارية 51/49، ويغتنم في هذا الإطار الفرصة لتكوين اليد العاملة والرفع من مستوى الاندماج إلى ما لا يقل عن 30 بالمائة، بهدف السير بعد ذلك إلى تصدير هذه المعدات إلى الأسواق الخارجية.
ومن شأن كل هذا أن يستحدث مناصب شغل جديدة، ويزيد من وتيرة ضخّ الثروة ليس بالطاقة وحدها بل عن طريق تصنيع التجهيزات التي يحتاجها القطاع النفطي، على غرار الشراكة التي تربط سونطراك مع نظيرتها الأمريكية «بيكر هيوز جنرال»، والتي سوف تسمح بصناعة رؤوس الآبار، وهي معدات كانت تستورد من الخارج، علما أن الجزائر بفضل هذه الشراكة تكون أول دولة في القارة الإفريقية تشرع في تصنيع مثل هذه التجهيزات محليا.
ومن العوامل المشجعة لدفع وتيرة ترقية الاستثمارات والرفع من أداء المجمع النفطي الوطني، تماسك أسعار برميل البترول الذي بلغ حاليا 64 دولارا لأول مرة منذ عام 2015، وبات يقترب من السعر العادل للمصدر والمستورد على حد سواء، و الذي حدّده الخبراء بسقف الـ 70دولارا، بفعل اجتماع عدة عوامل مباشرة وغير مباشرة، نذكر من بينها انخفاض محسوس ومستمر لمخزونات النفط العالمية سجلت شهر أكتوبر الماضي. إلى جانب عدم استقرار الوضع السياسي والأمني في العديد من الدول المنتجة.
ويكتسي اجتماع يوم 28 نوفمبر، والذي يستمر بفيينا إلى غاية الـ30 من الشهر الجاري، أهمية كبرى لدول أوبك ، على خلفية أنه سيناقش ‘قرار إمكانية تمديد الالتزام بقرار تخفيض الانتاج إلى غاية نهاية عام 2018 والحسم فيه، وفي ظلّ تحمس الدول الأكبر إنتاجا داخل وخارج أوبك لهذا القرار، ما يؤشر إلى استمرار تماسك أسعار النفط التي يرتقب أنها لن تتراجع إلى أقل من 60 دولارا وقد تقارب مستوى الـ 70 دولارا خلال العام المقبل، خاصة إذا تجسّد مسعى تمديد العمل بقرار تخفيض الإنتاج في اجتماع فيينا المقبل، مما يسمح بالتاكيد بانتعاش السوق وتماسك الأسعار.