هذه الأرقام الثمانية قلبت الأوضاع رأسا على عقب، في الوقت الذي لم يكن هناك من يتصوّر أن الرصاصات التي أطلقت في تلك الليلة ستطلق العد التنازلي لإنهاء 132 سنة من العبودية والاستغلال، إنها النهاية.. شرارة أكبر وأعظم ثورة في القرن 20 توهجت وقطعت خيوط الظلام الأولى وفتحت أعين شعب أعياه البؤس والحرمان وعيشة الأقنان، رغيف خبز ,وماء آسن مقابل الكد من طلوع الفجر إلى غروب الشمس لكنه رغم ذلك لم يستطع لا الاستعمار ولا سياسات الطمس والمسخ أن تنسيه يوما أنه ليس فرنسيا وأنه لا يريد أن يكون كذلك.
ثورة نوفمبر الخالدة التي نحيي ذكراها 63 اليوم أصابت الاستعمار في مقتل لأنّها ضربت الفلسفة الاستعمارية في نخاعها الشوكي وجعلتها غير قادرة على التصرف ولا جمع شتاتها من جديد، ثورة نوفمبر أصبحت اللعنة التي تلاحق الاستعمار في كل مكان في المداشر، الأرياف في القرى والمدن في الصالونات وفي محافل الأمم.. نوفمبر في كل مكان يطارد الاستعمار حتى في أروقة الأمم المتحدة ويضطر ممثليه إلى الانسحاب، ظهر الحق وزهق الباطل، الجزائر ليست فرنسية والقضية ليست شأنا داخليا فرنسيا والمجاهدون ليسوا قطاع طرق ولا فلاقة إنهم جيش تحرير وطني وذراع عسكري لجبهة تحرير وطني.. سقطت “الجزائر فرنسية”.
الإدارة الاستعمارية المطاردة وأمام حكوماتها التي تتهاوى الواحدة تلو الأخرى تبحث لها عن مخرج وتستنجد بالجنرال ديغول.. إنها الورقة الأخيرة، ديغول اعتقد أن الفرصة قد جاءته لحصاد المزيد من الأمجاد فأطلق العنان لآو لكنه فهم بسرعة أن أكبر إنجاز سيحمد عليه وأكبر خدمة يقدمها لفرنسا هي الحفاظ على الجمهورية الخامسة وشيفرة الخلاص هي 05 07 1962، إنه الاستقلال، تحيا الجزائر، المجد والخلود لشهدائنا الأبرار.