تحلّ ذكرى ثورة التحرير لتفرض على الضمائر الحية في المجتمع تذكّر تلك الصفحات الناصعة للصمود والشجاعة في مواجهة التعذيب والإهانة من أجل كسر قيود الاحتلال الفرنسي وفضح جرائمه. وبقدر استذكار البطولات الرائعة التي صنعت الملحمة النوفمبرية والتضحيات المقدمة بقدر ما يجب توجيه كل العرفان والتقدير للجزائريين والجزائريات الذين ساهموا في مجهود الثورة دون أن ينتظروا الحصول على شهادة الاعتراف، ومنهم مناضلون ومجاهدون من الصف الأول اكتفوا بأن قدر لهم الله طول العمر للعيش تحت ظلال الاستقلال، وكل سعادتهم أنهم أدوا الواجب وفقط.
كان للمرأة في الريف بالأخص دور محوري في المجهود الوطني من أجل الكرامة والحرية فلم تتأخر عن تقديم مساهماتها في الإطعام والعلاج ومختلف الخدمات التي يحتاج إليها أفراد جيش التحرير الوطني بل ارتقى دورها إلى حمل السلاح في الخطوط المتقدمة على أرض القتال. وكان للمناضلين خاصة في إطار المنظمة المدنية لجبهة التحرير الوطني أكثر من دور في الرفع من وتيرة المجهود النضالي وتمكين القيادات الميدانية في المدن والقرى من الحصول على المعلومات الدقيقة والمعطيات الجوهرية حول تحركات جيوش الاحتلال وممارسات أجهزته.
وخلافا لما يروجه المناهضون للثورة فإن أغلب من شاركوا في الكفاح بمختلف الوسائل ومن مختلف الفئات الاجتماعية وأبرزهم بسطاء قاموا بذلك من باب الواجب الوطني والقناعة الراسخة بأن موعد إعادة تصحيح مسار التاريخ حان لكسر شوكة الاستعمار ومواجهته في وضح النهار بعد نزع عقدة الخوف التي غرسها في أنفس الجزائريين من خلال نشر الجهل وتشريد وتجويع السكان.
حقيقة كانت شرارة الثورة من صنع النخبة النيرة التي فتحت أعين الشعب الجزائري على الواقع وأقنعته بأن لديه القوة الكامنة والقدرة الصلبة لإنهاء الوجود الفرنسي في بلادنا بعد أن تأكد رواد النضال من تعنت حكام دولة الاحتلال وعجرفة قادتها الذين تحولوا إلى قتلة ومجرمين، غير أن المواطن البسيط بمجرد أن أدرك التحول وفهم الرسالة التي حملها بيان أول نوفمبر انخرط في النضال واندفع بقوة في روح الثورة.
وفي الذكرى 63 لاندلاع ثورة فريدة غيرت مجرى التاريخ وانتشلت شعبا بكامله من مخالب استعمار تميز بالعنصرية وممارسة برامج النهب والتخريب شعارها الأرض المحروقة يكون من الواجب أن نرفع كل التقدير والعرفان لأولئك الذين وقفوا رجالا ونساء وحتى أطفالا يومها في صف الكفاح من أجل استرجاع السيادة الوطنية، وبتنويه خاص لمن احتفظوا بتواضع برصيد نضالهم مقتنعين بالعيش تحت مظلة الحرية وسط شعبهم يقتاتون من عرقهم دون طلب بطاقة اعتراف أو شهادة مماثلة.
لقد كان مفهوم الحرية بالنسبة إليهم نهاية الاستغلال والعبودية والعيش في بلدهم بلا خوف ولا إهانة ولا ازدراء أكثر من أنها مجرد حصول على بطاقة تهافت عليها البعض من أجل تحقيق مصالح أو امتيازات هي مشروعة بالكامل لمن يستحقها حقيقة وليست حلالا على المزيفين الذين يبقون في حكم التاريخ الكفيل وحده بتصنيف كل واحد.
وكان الذين آثروا المصلحة الوطنية على الشخصية واقتنعوا منذ البداية أن المشاركة في الثورة واجب مقدس بدون مقابل، إلا بالنسبة للّذين لحقتهم إعاقة أو استشهدوا وخلفوا أرامل أو أطفال قصر أو آباء طاعنين في السن، يتألمون أمام ممارسات ومشاهد أثرت سلبا على صفة مجاهد ومنهم من كانوا يفضلون البقاء بعيدا عن الأضواء.
إلى كل هؤلاء خاصة الذين حرمهم الاستدمار من التعليم وطاردهم جيلا بعد جيل وساهموا كل حسب جهده في التحرير فصبروا وتحملوا قساوة الثورة ينبغي أن يخصوا بالعرفان وذكرهم في المناسبات على المستوى المحلي والوطني فكم من رجل أو امرأة أدى الواجب بعيدا عن الأضواء التي لا ينبغي أن يسرقها عن قصد أو غير قصد بعض من لديهم ثقافة أو مركز اجتماعي، وإنما يقع على عاتق المجتمع قاطبة بتعاقب الأجيال واجب تقديم الاحترام المميز لتلك الفئة من المناضلين البسطاء خاصة من لا يحملون بطاقة مجاهد من أجل بعث روح الانتماء وتعزيز عنصر الثقة التي كانت بمثابة الحبل السري للثورة المظفرة.