التساقطات المطرية الأولى تكون قد بدّدت مخاوف الفلاحين تجاه شبح الجفاف الذي خيّم على مناطق عديدة في ربوع الوطن بحكم ما تحتوي من مساحات شاسعة لزراعة مصّنفة استراتيجية تستدعي مراقبة صارمة، ومتابعة دقيقة حتى لا يكون مصيرها الإتلاف أو شيء من هذا القبيل.
وبالرغم من تلك الكميات المتهاطلة، فإن الفلاحين وغيرهم من عمال الأرض، يأملون في رؤية حقولهم تستفيد من السقي الذي لطالما انتظروه كما كان الحال خلال السنوات القليلة الماضية، لاتباع مسار إنتاجي المتعارف عليه في هذا المجال.
وإن كنا بعيدين عن الآجال المحددة رسميا لإعلان حالة جفاف ألا وهو شهر أفريل ـ حسب المختصين ـ غير أن القلق ينتاب الفلاحين في ملاحظة ندرة الأمطار منذ فترة طويلة، مما قد يؤثر مباشرة على المنتوج الحامل لمصاريف ثقيلة تتطلب الحرص كل الحرص على عدم خسارتها.
ومع مرور الأيام، تتصاعد حدّة هذا الانشغال، بناءً على التجربة التي يعيشها الفلاحون في الميدان، والذين ما فتئوا يدقون ناقوس الخطر، عندما يقدرون بأن الزراعة مهدّدة في أي لحظة بالآثار المناخية الناجمة عن عدم سقوط الأمطار.. وخير عينة على ذلك السنة الحالية أو الموسم الراهن.. الذي فعلا يثير حالة نفسية غير مستقرة عند الفلاحين، الذين اعتادوا في أعمالهم هذه على الاطلاع الواسع والمعرفة الجيدة بسيرورة المناخ في كل أوقاته الفصلية.
وانطلاقا من هذه المعاينة لا يتوانون في مخاطبة أو بالأحرى التواصل مع الجهات المسؤولة على المستويين المحلي والمركزي، وإبلاغها بالمخاطر الناجمة عن هذا الوضع وتداعياته المؤثرة في حال عدم التحرك في تجاه ا اتخاذ الإجراءات المطلوبة لمواجهة وضع كهذا.
لذلك، فإن أولوية السلطات العمومية هو التفكير من الآن فصاعدا في كيفية التفاعل أو التعامل مع هذا الطارئ الطبيعي.. فاليوم لا يكفي الانغماس في شرح مسائل غير مفيدة، كتقديم تلك التبريرات المتعلقة بموقع الجزائر الجغرافي ومناخها.. هذا الطرح سئمنا منه، لأنه شكل من أشكال الهروب إلى الأمام ورفض مواجهة الواقع كما هو.
الأولوية اليوم للعمل الإستشرافي المبني على النظرة الصارمة في إدارة أوضاع كهذه وهذا باتخاذ كل الإجراءات الضرورية في أقرب وقت بالتعاون مع جميع الأطراف المعنية، للتحكم أكثر في مثل هذه الحالات عند وقوعها. وهذا ممكن جدّا، نظرا لما تحوز الجزائر من إمكانيات هائلة في هذا المجال، كما لها تجارب ميدانية
في هذا الشأن.
لذلك، فإن الأيام القادمة كفيلة بأن ترسم لنا الصورة الحقيقية للمرحلة القادمة، فيما يخصّ الفلاحة المرتبطة بالأمطار تبدأ بالحبوب والزراعة المكثفة.