لا تزال الأغنية الثورية تشكل حلقة مهمة من تاريخ ثورتنا المجيدة ومن ماضينا القريب، فقد ساهمت في ترسيخ قيم المواطنة حاملة لواء الدفاع عن الوطن بالأهازيج التي ترددها النسوة ويحملها الرجال على الألسن يرددونها في ساعات الحسرة والشوق، جاعلين منها طاقة إضافية. رافقت الأغنية الثورية بالأمس القريب الأشاوس في الجبال مانحة إياهم كل القوة والمقاومة، للتصدي لكل مظهر يقلل من شأنهم أو ينقص من عزيمتهم الصلبة، لما لها من مقاطع مرتبطة بالحنين والأرض والعائلة، يعودون من خلالها إلى البدايات الأولى من النشأة حيث يجتمع الأهل على نغماتها وترقص النسوة على أهازيجها ويحملها الصغار يرددونها في تؤدة وحالات تشبه الفرح.
كتب كبار الشعراء قصائد مازالت إلى اليوم تردد في المحافل والمناسبات، وحين يبدأ صاحبها في منحها صوته الجهوري تسري فيك قشعريرة غريبة، وتتملكك ويعبر أمامك شريط الذكريات، فلا يبرح المرء مكانه إلا وهو مهزوز داخليا، فاقد الوعي، لا يقاوم.
فقد كتب الشعراء أغاني حين يسمعها المستعمر ترهبه كلماتها وكثير منها كان عساكر العدو يخشون ترديدها على مسامعهم في السجون والمعتقلات، فهي إلى الأنشودة أقرب، ومنها قصيدة من جبالنا طلع صوت الأحرار، قسما بالنازلات، وهناك أيضا الطيارة الصفراء، خويا الجندي، ومن جهة أخرى ساهمت الأغنية التحريرية الأمازيغية في شحذ الهمم وشحن الأنفس وحثها على المقاومة والجهاد في سبيل الله، وعلى سبيل المثال أيضا أغاني المايسترو عيسى الجرموني، اكلي يحياتن، وبقار حدة، فجاءت النبرة مدوية ومزيجها يشبه رائحة البارود والقسم.
الأغنية الثورية لا تزال تحمل طقوسها الخالدة في ذاكرة الأمة، لا يمكن بأي حال من الأحوال إهمالها أو العبث بها وطمسها من مشهدنا الثقافي، لأنها حاملة لهويتنا وسفيرة للوطن.