لم يترك الاحتلال المغربي طريقة أو وسيلة إلاّ واستعملها للتّحايل على الشّرعية الدولية وتجاوز قراراتها، مصرّا على تفصيل حلّ على مقاسه، دون أن يكترث لحق الشّعب الصّحراوي الذي يتطلّع منذ عقود إلى تنظيم استفتاء حرّ ونزيه يقرّر من خلاله مصيره.
كل الحيل والمؤامرات، حتى تلك التي لا تخطر على بال، اعتمدها المغرب ولازال لوأد القضية الصّحراوية، والاستيلاء بغير وجه حق على الاقليم الذي دخله غاصبا سنة ١٩٧٥، والتي تؤكّد اللّوائح الأممية الصّادرة سنة ١٩٦٠ أنّه محتل ومعني بتصفية الاستعمار.
أول حيلة لجأ إليها المغرب لمدّ سلطته جنوبا هي «مسيرة العار»، التي قرّر من خلالها تحقيق هدفين أساسيين أمّا الأول، فهو الهيمنة على الأرض الصّحراوية، والثّاني تغيير التّركيبة السّكانية لهذه الأرض من خلال إغراقها بأزيد من ٣٥٠ ألف من مواطنيه، الذين جرّهم إلى هنالك جرّا حتى يرفع بأصواتهم كفّة الموافقة على الانضمام إلى عرشه في حال تمّ تنظيم أيّ استفتاء لتقرير المصير.
هذه الخطوة الاحتلالية، لم تكن المؤامرة الأخيرة، ففي منتصف الثّمانينات، وتحت وقع الحرب التي يخوضها ببسالة الشّعب الصّحراوي، جنح المغرب إلى السّلام مخادعا لا صادقا، زاعما موافقته على الخطّة الأممية للتّسوية السياسية التي توصي بتنظيم استفتاء بثلاثة خيارات (الاستقلال، الضم، الحكم الذّاتي)، وتمّ الإعلان عن وقف القتال في ٦ سبتمبر ١٩٩١، ولمّا ضَمِن المغرب سكوت السّلاح، وهو الهدف الجوهريّ الذي كان يسعى إليه، أخذ يماطل ويعرقل المسار السّلمي والجهود الأممية، فكان يجهض مهام المبعوثين الدّوليّين، أو يشتري ذِمم بعضهم، ليزكّوا خطّته للتّسوية التي حصرها في الحكم الذّاتي دون سواه.
وكلّما استعصى عليه إغراء أو استمالة أيّ مبعوث إلى حلّه أحادي الجانب، يعمد إلى التّكشير عن أنيابه، وهو ما فعله مع «كريستوفر روس»، حيث طرده أكثر من مرّة، بل وتجرّأ حتى على الأمين العام الأممي السّابق «بان كي مون»، وشنّ عليه حملة مسعورة، لأنّه فقط سمّى الأشياء بمسمّياتها، ووصف التّواجد المغربي في الصّحراء الغربية احتلالا.
ليس هذا فقط، فقد طرد المغرب مكوّن بعثة «المينورسو» المكلّفة بتنظيم الاستفتاء، ومنع ولازال وصول أي مراقبين أو إعلاميّين إلى الأراضي الصّحراوية المحتلّة حتى لا يكونوا شهودا على انتهاكاته، ونهبه لثروات الشّعب الصّحراوي.
تطاول الاحتلال المغربي على الشّرعية الدّولية، دفعه لتنفيذ مزيد من المؤامرات، لعلّ أهمّها هي انضمامه من جديد إلى الاتحاد الافريقي الذي غادره قبل عقود.
والهدف الخفيّ من عودته إلى المنتظم القارّي هو محاصرة التّأييد الافريقي للقضيّة الصّحراوية ونسفه.
وقد انكشفت هذه النيّة الغادرة المخادعة مع أوّل قمّة عقدتها إفريقيا مع المجموعة العربية، إذ سعى إلى إفشالها، وللأسف الشّديد انطلت الحيلة على بعض الدول العربية وانساقت وراء مؤامرته، كما حاول إفشال قمّة موزمبيق في أوت الماضي، لكنّه فشل فشلا ذريعا، إذ تمسكّت إفريقيا بحضور الجمهورية الصّحراوية التي تعتبر عضوا مؤسّسا في الاتّـحاد القارّي.
قائمة مؤامرات المغرب لفرض احتلاله على الصّحراء الغربية لا تعدّ ولا تحصى، وهو إن كان يجد اليوم من يدعمه ويحمي ظهره نظير مشاركته في نهب ثروات الاقليم المغتصب، فالأكيد أنّ الحق سيعلو مهما طال الزّمن، والاحتلال إلى زوال مهما كان الثّمن، والصّحراويّون مستعدّون أكثر من أيّ وقت مضى لحمل السّلاح من جديد واسترجاع أرضهم، ولن يضيع حق وراءه طالب.