ستظل المدينة في ذاكرة الكتاب والأدباء تحتل حيزا مهما ومكانا متميزا في ابداعاتهم، حيث لا يخلو أي نص كان شعريا أو نثريا من توريث هذا الحيز الزمكاني في السرد.. هذا العالم الغائر في الأزمنة البعيدة والحاضرة ،جاعلين منه نقطة البدايات في أعمالهم، الأمر نفسه عند أصحاب الريشة وهم يخلدون هذه المساحات في لوحاتهم وأعمالهم الفنية، فتراهم يعودون بالحنين إلى ماضي الأحداث التي صنعتها الفواصل والهوامش المتعددة من حياتهم.
لقد خلد الأولون المدينة في حياتهم وجعلوا منها قيمة فنية وأدبية كبرى، وقد خصص لها العلامة رائد علم الاجتماع ابن خلدون كتابا جعل منها المقدمة، وثمن من فيه الحظائر ومنحها السمو والرفعة، لما لها من ارتباط وثيق بحياة الشعوب وتنقلاتهم منها وإليها، وسيرورة حياتهم الاجتماعية بين أبوابها المشرعة.
الكثير من مبدعينا أرخوا لتاريخ المدن عن طريق القصائد، فحملوا لواء المؤرخين مانحين إضافات جديدة للذاكرة الجماعية، والأمر نفسه عند أولئك الذين عانقوا الفن التشكيلي ورسموا بجوارحهم أعرق اللوحات، حين جعلوا منها الهوية والانتماء، فمن غير المدينة التي تكبر فينا ونظل بها نتمسك روحا وجسدا، لا يمكن في أي حال من الأحوال تركها أو الاستغناء عنها لأنها ستظل الحلم والمنفى.
صحيح ان الكتابة عن المدينة هو تأريخ لجغرافية المكان والزمان، ولطالما هو كذلك فلا يمكن أصلا الابتعاد عنها أو نكرانها فالأوطان تسكن النفوس حينما نبدع، وحين نغني، وحين نرسم الذكريات.
ستبقى المدينة وفية بقيمها وثباتها ويظل المثقف مشدود إليها لا يتركها ولا يمكن الاستغناء عنها تحت أي طائلة.