الأكيد أن القطاع الزراعي يمكنه أن يلعب دورا محوريا في تخليص بلادنا من حلقات الريع المفرغة التي جعلت اقتصادها رهينة تقلبات أسواق النفط، فالفلاحة - إلى جانب قطاعات أخرى- أصبحت تفرض نفسها اليوم كبديل لتحقيق الأمن الغذائي من جهة والحصول على مصدر آخر للعملة الصعبة في إطار توجّه تنويع الاقتصاد والشركاء في الوقت نفسه على سبيل التخلص من كل أشكال التبعية وما يرافقها من ضغوط.
إن الأمن الوطني أصبح يتعدى اليوم المفهوم التقليدي المختصر في القوة العسكرية إلى أبعاد أخرى متعددة يأتي في مقدمتها الأمن الغذائي، كما أصبح للحروب أبعادها غير التقليدية فهناك دول أصبحت قادرة على تدمير أخرى عبر شن «حرب غذاء» لأنها تحتكر ببساطة «البذور الأم» لمحاصيل زراعية إستراتيجية كالقمح، الذرة والبطاطا وغيرها... وهذا يبين أن رهان الفلاحة يجب أن يكون على رأس اهتمامات الدولة الجزائرية لتتعدى مجرد الحلم بتحقيق الاكتفاء الذاتي إلى تحويل الجزائر إلى قطب فلاحي متوسطي وإفريقي قادر على تزويد القارتين الأوربية والإفريقية بمختلف المنتوجات الفلاحية وهذا لن يتحقق إلا باستغلال كل الأراضي الزراعية المتوفرة واستصلاح المزيد منها للخروج من ثقافة الاكتفاء إلى فلاحة الوفرة والتصدير، عندها فقط تنتهي مناورات الاحتكار وغلاء أسعار المنتوجات الفلاحية الأساسية كما هو الحال مع البطاطا والطماطم؟ !.
لا بد من التذكير إن من بين العوامل التي أدّت إلى حصول هذا الخلل هو ازدياد عدد السكان بمقابل تراجع المساحة المزروعة و هذا بدوره راجع للعديد من الأسباب من أهمها تخلّي الجزائريين عن امتهان الفلاحة و خدمة الأرض يضاف إلى ذلك زحف الأسمنت من الشمال والتصحّر من الجنوب والتقلبات المناخية مما يعني أن الأراضي القابلة للزراعة ستصبح عملة نادرة في العالم وليس في الجزائر مما يحتم عليها إعادة النظر في معايير اختيار مواقع التوسع العمراني والصناعي بطريقة تراعي حرمة وقدسية الأراضي الفلاحية وعدم المساس بها تحت أي ظرف حتى تلك التي توصف بأنها «ضعيفة المردودية» لأنه يمكنها العطاء بفضل التقنيات المتطورة ويمكنها أن تكون الأرض التي تنقذ مصير أجيال قادمة.