تطفو في أحيان عديدة مشاكل بين مؤسسات ذات طابع اقتصادي بفعل الرؤية الضيقة، خاصة حول عقار أو مخازن، في وقت تستدعي فيه الوضعية الراهنة للاقتصاد الوطني انخراط كافة الشركاء في ديناميكية الاستثمار بدل الدخول في منازعات تستنزف الموارد وتبدد الإمكانيات بينما يمكن معالجتها ضمن أطر الحوار وعلى أساس قاعدة التضامن بين المؤسسات.
بادرت مؤسسة صناعة الأواني النحاسية والتنك ( اكفيرال) بإنجاز استثمار نوعي وجريء، هو الأول في الجزائر، يتمثل في إقامة مصنع لإتلاف النفايات السامة والخطيرة بطاقة معالجة 10.000 طن في السنة وبتمويل يقدر بحوالي 600 مليون دينار. المشروع الذي يشغل حوالي 200 عامل تعترضه منذ فترة متاعب حول العقار الصناعي (مساحة حوالي 6 هكتارات) متواجد ببلدية سي مصطفى بولاية بومرداس. ويندرج هذا النشاط في مخطط التنمية الداخلي لمواكبة السوق والمساهمة في رفع التحديات التي يواجهها الاقتصاد الوطني خاصة ما يتعلق بتقليص اللجوء إلى الخارج في معالجة النفايات أو توفير خزانات المراجل التي لا يزال بعض المتعاملين يستوردها رغم وفرتها في السوق المحلية.
لم تكتف مؤسسة من الحجم المتوسط، تخطت مرحلة الخطر في وقت سابق عرف اندثار مؤسسات كثيرة خلال التسعينات، بالبقاء في نفس نشاط صناعة المراجل (شوديير) وتسويقها محليا والطموح لدخول أسواق خارجية، وإنما انخرطت وبشكل أقرب للمغامرة في الاقتصاد البيئي بتحقيق مشروعها المنسجم مع التحولات الاقتصادية الجديدة ويصب في صميم الخيارات الإستراتيجية التي سطرتها الدولة. ويوضح المدير العام للمؤسسة أن « مصنع تخزين ومعالجة النفايات المصنفة خطيرة وسامة يحقق اقتصاد ما يعادل 15 مليون أورو سنويا، فيما تشير التقديرات إلى وجود ما يعادل 2 مليون طن نفايات تنتظر الإتلاف وتتطلب كلفة في حدود 3 ملايير دولار لمعالجتها بالخارج».
وطبيعي أن إثارة مشاكل، مهما كانت موضوعية، حول مثل هذا الاستثمار الذي توجه إلى منطقة عانت من العزلة، تترك أثرها على التوجهات الإستراتيجية للمؤسسة الاقتصادية في سوق تنافسية، علما أن «اكفيرال» تقدم مثالا ملموسا في روح المواطنة الاقتصادية حيث وبشهادة المسؤولين المحليين ساهمت منذ 2003 في تنمية بلدية سي مصطفى من خلال تنمية مداخيل الجباية وتشغيل اليد العاملة المحلية إلى جانب تمويل نشاطات اجتماعية وثقافية ورياضية ومرافقة العائلات المعوزة.
مثل هذه المشاريع «الثقيلة» تتطلب مرافقة من السلطات العمومية بالمساهمة في تذليل الصعوبات ومعالجة النزاعات التي تطرأ ضمن إطار للتضامن بين المؤسسات الجزائرية يسمح بالعثور على حلول ذكية تضمن حقوق الأطراف بعيدا عن آليات أخرى لها كلفة مالية وتعطل الإرادة.
لماذا لا يتم اللجوء إلى حلول تعويضية توفرها سوق العقار مثل تمديد الإيجار أو المقاصة لتعويض الطرف المتضرر أو حتى التنازل إذا كانت المصلحة ترتبط بالاقتصاد الوطني والنمو. ومن شأن إحداث لجنة ما بين القطاعات تتكفل بالتحكيم عند الضرورة بدل التوجه إلى القضاء الذي يتفرغ لملفات أكثر أهمية بالنسبة للاستثمار والشراكة الأجنبية وكل ما يدور في فلك الاقتصاد.