التّاجر الذي يقف خلف المصرف بداخل محلّه أصبح لا يحتمل الزّبون الذي يطل عليه يوميا، خاصة الصّنف الذي يستفسر عن ثمن المادة المعروضة للبيع أو نوعية الخضر والفواكه واللّحوم الحمراء والبيضاء، وحتى الأسماك أحيانا.
وشعار هذا البائع هو أن لا يناقشه أحد أو يحتج على ما بحوزته من بضاعة مسلمة للمستهلك، رافضا أن يتجرّأ أحد على استبدال الحبات الفاسدة أو مطالبته بتغييرها بأخرى. هنا يجن جنونه ويخرج من جلده، يكفهّر وجهه وينفعل إلى درجة محاولة الدخول في مناوشات وملاسنات حادة مع هؤلاء.
وهذه المشاهد اليومية أصبحت عادية بالنسبة للكثير من الناس، الذين يلتزمون الصّمت المطبق عندما تندلع تلك المشادة، ولا يوجد حتى من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، لا ندري لماذا كل هذه السلبية والبرودة التي تسود حاليا لدى الأفراد في يومياتنا؟
هذا البائع منشغل بما يدّره من أرباح وما يستفيد من مداخيل على حساب الناس الذين يقصدونه، ولا يعير أدنى اهتمام للأشخاص الواقفين أمامه ولا يراهم إلا «دراهم»، أما الباقي فلا يهمّه التحاور معهم فيما يخص ما يبيع لهم، وإنما يتعمّد إثارة مواضيع سياسية، اقتصادية، اجتماعية وبالأخص الرياضية.
أحد المواطنين طلب من بائع اللحوم البيضاء أن يعلمه بسعر الأجزاء السفلى للدجاج، رد عليه قائلا ٤٠٠ دينار للكيلوغرام الواحد أمام دهشته عاود الكرّة بمعرفة منه سعر الكيلوغرام الواحد للدجاج، وقال له ٣٤٠ دينار، حاول الرجل إحداث المقارنة بخصوص ما يسمع، تسلّم تلك الكمية من الأطراف وهمّ بالخروج، غير أنّ البائع شرع في التعليق المجاني بشكل يطغى عليه الغضب والاستنكار تجاه أسئلة ذلك الزبون، وخاطب شخصا كان يساعد: «هل نحن في البورصة؟»، وما فهمناه من كلامه لماذا يبحث الرجل عن الأسعار المتداولة في محله؟
هذه عيّنة من عيّنات العلاقة المكهربة بين التاجر والمستهلك، والكثير من الأشخاص يقاطعون المحلات الموجودة بأحيائهم ويفضّلون الذهاب إلى أماكن بعيدة لاقتناء ما يحتاجونه كاحتجاج ضمني على تاجر الحي، الذي لا يشغّل مبردّاته ليلا وأحيانا يقدّم للأطفال مواد كاسدة وأحيانا فاسدة، وغيرها من الأسباب التي لا تعد ولا تحصى في هذا العالم.
وللأسف هذه الحالة السّائدة لا تهتم بها تلك الجمعيات التي شغلها الشاغل الأسعار ثم الأسعار، والحديث عن قضايا اقتصادية أكبر منها، تاركة هذا الجانب النفسي مهملا لا توليه ما يستحقّه من عناية، خاصة تلك التي تتحدث عن المستهلك.
ونعتقد بأنّ صفة التاجر لا تطلق على كل من هب ودب، بل يتطلب الأمر أن يكون هناك انتقاء صارم لكل من يتعامل مباشرة مع الزبون، خاصة من ناحية الاحترام والصبر خاصة ،لأن المهنة تتطلّب ذلك، وكل من يفتقد لهذه الصّفات ما عليه إلا بعمل آخر.