لا يوجد شيء ثابت في السوق من غير المصالح، لذلك قد يتغير كل شيء من تشريعات وخيارات ومواقف تكتيكية من أجل إنجاز أهداف استراتيجية.
يلوح في أفق المشهد الاقتصادي الوطني عودة مسألة الشراكة الأجنبية والاستثمار الخارجي إلى الواجهة نحو تحسين أكثر لمناخ الاستثمار، دون المساس بالضوابط الجوهرية مثل القاعدة 51/49 التي تشكل صمام أمان وأداة فرز بين المستثمر الحقيقي ومنتهز الفرص. تتجه الأضواء في الوقت الراهن، إلى قطاع النفط، خاصة بعد أن أعلن وزير الطاقة، في أعقاب زيارة وفد لمتعاملين أمريكيين، عن التوجه إلى مراجعة قانون المحروقات (الجانب الضريبي بمنح مزايا جذابة) دون توضيح التفاصيل التي تترتب عليها النتائج، يتعلق الأمر بمراجعة الجانب الضريبي بمنح مزايا جذابة.
لا يوجد بديل أفضل من جلب الرأسمال الأجنبي (السيولة النقدية بالعملة الصعبة والتكنولوجيا الإنتاجية) إلى السوق المحلية، من خلال السعي دوما للرفع من مؤشرات تحسين مناخ الاستثمار. لكن إلى أي مدى يمكن الوصول إليه في هذا الاتجاه؟، علما أن أول ما يرفعه بعض المتعاملين الأجانب مسألة القاعدة المشار إليها أعلاه، بين من يثيرها دون خلفيات، وهم قلة، ومن يستعملها ورقة لضغط ومقايضة، هي أقرب للابتزاز غير معلن، من أجل تحقيق أهداف حيوية تتعدى المجال الاستثماري الاقتصادي البحت.
ما هي المساحة التي تتوفر للتعامل مع كل هذا بدون تسجيل أضرار أو بأقلها على الأقل، وهل أدركت القطاعات المصنفة استراتيجية كالمحروقات مثل هذا الامتحان؟، علما أن أزمة النفط بدأت في منتصف 2014، وكان ينبغي المبادرة بمواكبة التحولات لمواجهة الوضع المستجد، بما يضمن لها الديمومة والبقاء.
يثار أكثر من سؤال في ظل الوضعية الشائكة التي تحمل مخاطر وتخفي أخرى، بما يستوجب اتخاذ الترتيبات التي تحمي المصالح العليا للاقتصاد الجزائري. لعل أول مؤسسة معنية بضبط قراءة دقيقة للمؤشرات وتشخيص معمق للملفات وتصور محكم للتطورات هي «سوناطراك»، التي يعوّل عليها في إحداث التحول وإنجاز القطيعة بصيغة إيجابية وإذا كان بالإمكان الذهاب إلى أبعد حد ممكن في توسيع نطاق الانفتاح على الشراكة الأجنبية (وفقا للنظام التفضيلي حسب جدية والتزام المتعامل الأجنبي) وفقا لمسار دقيق ومتحكم فيه.
يبقى الإشكال أو الانشغال يخص هامش المناور للمؤسسة الجزائرية، من حيث مدى قدرة المفاوض الجزائري على إبرام صفقات مربحة لمؤسسته، ومن حيث تأمين المصالح الحيوية وتفادي حدوث منازعات تقود إلى التحكيم الدولي، الذي قلما ينجح أمامه الطرف الجزائري، نظرا لضعف تحرير عقود الصفقات أو قلة تحصينها بعدم إدراج الشروط التي تحمي حقوق الجانب الوطني وذلك لأسباب عديدة، من بينها التسرّع والتصرف تحت ضغط الظرف الصعب، تضييق إطار مناقشة الصفقات وعدم توسيع نطاق الاستشارة للاستفادة من خبرات وكفاءات هي موجودة ضمن المؤسسة الاقتصادية نفسها قبل محيطها المحلي.