انتقل الصّراع والجدل العميق بين المثقّفين أنفسهم إلى مدرّجات الجامعة، مع التأثيرات الايديولوجية التي عمّت المشهد الأدبي، وهذا ما اتّضح في كتاباتهم وأعمالهم الادبية المختلفة من قصة وشعر ورواية، وتوظيف المصطلحات وتمجيد الشخصيات الأسطورية التي كانت مؤثّرة في حياتهم جميعها.
انعكس الأمر سلبا على كتاب من نفس الجيل ومن نفس المرحلة، وانساق الكثير وغرق بعضهم في المغنى اليساري الذي توارثوه كفكر مادي، إلى أن قضت عليهم ابداعيا ومنحتهم شهادة الوفاة الأدبية، وعوض أن يكبر الابداع ويستمر في العطاء والحضور، توقّفت بهم عجلات الزمن وصارت هذه الأسماء أمثال عبد العالي رزاقي، حمري بحري، محمد الصالح حرز الله، مصطفى نطور محمد زتيلي وغيرهم كثير. وصارت أسماءهم حكراعلى مرحلة فقط، تذكر كنماذج أدبية أثناء المداخلات في الندوات والمحاضرات وعلى مدرجات الجامعة في رسائل التخرج والمناقشات.
ويكمن سبب توقفها إبداعيا ايضا لأسباب أخرى لها مبرّراتها بعيدا عن موت الابداع في حياتهم، لذلك رأيت انه ليس من المجال لذكرها في هذه الوقفة، الأمر نفسه انطبق على بعض الأسماء التي حملت لواء هذا الامتداد، أو بصريح العبارة الانتماء الفكري، إلا أنّها لم تكن تولي الأهمية الكبرى لهوامش هذا الصراع، فأبدعت دون تأثرها بسياط الابوة الذي كما سبق وأن ذكرت في الحلقة الأولى فرضته مرحلة الستينيات، وخير دليل على ذلك واسيني الأعرج، أمين الزاوي، ربيعة جلطي، زينب الأعوج، عمار بلحسن رحمه الله الذي مازالت لديه أعمال كتبها لم تنشر إلى اليوم.
سادت الكثير من الغوغائية إلى أن ظهر جيل جديد من الشباب في ثمانييات القرن الماضي، فحاول هذا الأخير أن يصنع لنفسه واجهة أدبية بعيدا عن حرب المجايلة التي مازالت آثارها ماثلة، إلى غاية مؤتمر اتحاد الكتاب الجزائريين الذي انعقد بزرالدة وتم فيه إقصاء أولئك الذين لم يكن بحوزتهم عمل مطبوع، طبقا للقانون الاساس والنظام الداخلي للهيئة، وإن كان الأمر فيه الكثير من نيران الخبث بتواطئ جيلين جيل الأبوة «الخمسينيات الستينيات» «وجيل الفتوة» السبعينيات»، إلا أنه كان إيذانا بميلاد جيل آخر «جيل الاقصاء».
الحلقة 2