لا شك أن العدد الهائل للتلاميذ الذين سيلتحقون بالمقاعد الدراسية خلال الدخول المدرسي 2017/ 2018 والذين يناهز عددهم 9 ملايين يعتبر من أكبر إنجازات الجزائر المستقلة بفضل سياسات وطنية هدفها تجسيد حق دستوري ثابت وهو الحق في التمدرس لكل طفل يكون في سن إلزامية أو إجبارية التعليم وجاء هذا العدد الهائل بفضل إصلاحات فاق عمرها 40 سنة تعود إلى 1976 أي سنوات قليلة بعد الاستقلال أين كانت الجزائر في حاجة إلى تدارك النتائج المدمرة لسياسة التجهيل الاستعمارية التي منعت الجزائريين من المدرسة و كان من نتائجها أن الملايين من الجزائريين لم تطأ أقدامهم أرض المدرسة فوجدت الجزائر نفسها ترث عبئا استعماريا ثقيلا تمثل في توفير المدارس للملايين من الأطفال الجزائريين الذين ولدوا غداة الاستقلال وكان لا بد من الشروع في إصلاحات تستجيب للجانب الكمي لتحقيق أكبر عدد من المتمدرسين دون أن يكون ذلك على حساب جودة و نوعية التعليم ولكن الأولوية حينها كانت التحاق أكبر عدد من الأطفال الجزائريين بالمدارس، فدولة فتية بحجم الجزائر كانت بحاجة ماسة إلى إطارات مستقبلة يسيرون دواليبها خاصة وأن عدد من كانوا يكتبون ويقرؤون يعدون على أصابع اليد الواحدة.
اليوم وبعد سنوات طويلة من الاستقلال تغيرت المعطيات وتغيرت معها أولويات الدولة الجزائرية، فلم تصبح الحاجة اليوم ملأ الفراغ الذي خلفه الانسحاب التعسفي للإدارة الاستعمارية بكل ملاحقها ولواحقها عقابا للشعب الجزائري، لكن أصبح المعيار هو نوعية وجودة الإطارات وبالتالي كان لا بد من التفكير في إعادة النظر في المنظومة التربوية من خلال إطلاق إصلاحات جديدة وفق أولويات جديدة كذلك تقوم أساسا على تعليم جيد ونوعي يعطي أهمية أكبر إلى الجانب النوعي مع مراعاة الجانب الكمي لأن التزايد الهائل للطلب على المدرسة في الجزائر يبقى حقا دستوريا لا يمكن التخلي عنه كما لا يمكن التراجع عن هذا العدد الهائل من التلاميذ الذين أصبحت نسبتهم تفوق 20 من المائة من عدد السكان وهو رقم لا يستهان به وحتى لا يستمر منطق الكيف على حساب النوع تم إطلاق إصلاحات 2003 تحت شعار من أجل مدرسة ذات جودة ونوعية وهو معيار لا بد أن يبقى ضمن الانشغالات الرئيسية للدولة الجزائرية وعلى رأسها وزارة التربية الوطنية خاصة وأننا دخلنا عالم رأس ماله الحقيقي هو المعرفة ومن يمتلكها هو وحده من يسيطر على كل شيء والأمثلة أمامنا، أفليست هناك بلدان مداخليها السنوية تصل إلى ألاف الملايير من الدولارات الأمريكية تذهب كلها في شراء الغذاء والدواء والتكنولوجيا ...إلخ ؟ المادة الرمادية هي الثروة الحقيقية.