تعتبر هجومات الشمال القسنطيني من أكبر المحطات التي شهدها مسار التحرير الوطني بقيادة جبهة و جيش التحرير الوطنيين خاصة و أنها جاءت بعد سنة واحدة فقط على اندلاع ثورة نوفمبر المجيدة، ففي الوقت الذي اعتقدت فيه الإدارة الاستعمارية أنها خنقت الثورة بمحاصرة الأوراس جاءت هذه الهجمات لتخلط أوراقها وتؤكد الطابع الوطني الشامل للثورة وأنها ليست مجرد انتفاضة محددة في الزمان والمكان يمكن إخمادها وقمعها بسرعة وبالتالي فإن تلك الهجمات التي هزّت الشمال القسنطيني في وضح نهار 20 أوت 1955 كان الهدف من ورائها كسر الطوق الذي فرضه الجيش الاستعماري على منطقة الأوراس من خلال تشتيت تمركز قواته ومن ثمه كسر كل الاستراتيجيات والخطط العسكرية التي وضعها لهذا الغرض وكان ذلك على الصعيد العسكري، أما على صعيد الحرب النفسية والدعائية فإن الثورة استطاعت في أقل من عام على اندلاعها أن تفند الرواية الاستعمارية القائلة بأن الذين حملوا السلاح هم مجموعة أشرار وقطاع طرق ليس لهم أي امتداد شعبي بينما بينت هجومات 20 أوت أن تنبؤات الشهيد العربي بن مهيدي تحققت وأن الشعب التقط ثورته بمجرد أن القيت إليه وانخرط في المسار التحرري معلنا بذلك رفضه للفلسفة الاستعمارية من خلال مشاركته في دحض الاستعمار بداية برموزه ممثلة في المعمرين الذين تم استهدافهم مباشرة أو تخريب مزارعهم وممتلكاتهم وإلحاق الضرر بالمصالح الاقتصادية الاستعمارية في الجزائر خاصة وأن من كان يرعى تلك المصالح هم المعمرون الذين جيء بهم من كل حدب وصوب و حتى من غياهب السجون والحانات ليصبحوا أسيادا يمتلكون الآلاف من الهكتارات التي تم سلبها من الجزائريين الذين وجدوا أنفسهم مجرد أقنان لدى تلك العصابات المنظمة يشتغلون من طلوع الشمس إلى غروبها مقابل رغيف خبز بعدما كانوا مزارعين ملاكا لأراض توارثوها أبا عن جد.
الأكيد أن رد الإدارة الاستعمارية على تلك الهجمات كان قمعيا ووحشيا طبعته عمليات الإعدام الجماعي في حق الآلاف ثم ردمهم في مقابر جماعية والآلة التي استعملت في تلك المجزرة التي لا تقل وحشية عن مجزرة سيربرينتسا، قانا وشبرا وشتيلا ...الخ و غيرها من تلك العناوين المخيفة والمفزعة لا تزال شاهدة على اليوم الأسود الذي أزهقت فيه أرواح الكثير من الجزائريين الذين سقطوا شهداء عمل انتقامي جبان وحاقد إلا أن رسالة الشعب الجزائري أكبر من كل ذلك الحقد والوحشية وهو أن هذا الشعب اختار طريقه للتخلص من الاستعمار وهو يعي جيدا عواقب هذا الاختيار ولم يعد هناك مجال للتراجع فإما الاستشهاد أو النصر.