أغلق العديد من الخبازين محلاتهم لأسباب تبقى مجهولة، خاصة تلك التي تشهد إقبالا عليها نظرا لنوعية الرّغيف الذي تقدمه، والسّمعة التي تحظى بها لدى عامة الناس، الذين اعتادوا اقتناء الكميات المطلوبة عندهم دون الذهاب إلى جهات أخرى خوفا من الحصول على مادة رديئة تلقى في الأكياس ساعات فقط من الاتيان بها.
ودون سابق إنذار، فقد قرّر البعض من هؤلاء إنزال الستار وتسريح العمال في عطلة يظهر أنّها ستكون طويلة كون جل صانعي الخبز يقطنون الريف، وبالتأكيد فإنّهم لا يعودون غدا، هذا ما يشير إلى أن تلك المحلات ستدخل في فترة فراغ إلى غاية شهر سبتمبر على الأقل.
وعادة ما كنّا نلاحظ تثبيت ملصقة على مدخل المحل تبين بأنّ المعني أي صاحب المحل في عطلة قانونية لا تتجاوز أيام معدودات فقط بسبب ارتباطاته والتزاماته مع الزبائن، والادارة التي تحاسبه على تعطيل مقصود يدفع فاتورته لمواطن، ونحن اليوم في هذه الوضعية حيث يعتبر الخبّازون أنفسهم أحرارا من كل وصاية، لذلك يتصرّفون للأسف وفق مزاجهم الخاص غير آبهين بأي جهة تابعين لها كوزارة التجارة أو الولاية أو اتحاد أو جمعية التجار أو المنظّمات وغيرها.
هذه العلاقة التّنظيمية انقرضت وذهبت أدراج الرياح للأسف، وأصبح من الصّعوبة بمكان التحكم في هؤلاء من قبل كل تلك الهياكل المكلّفة بالاشراف المباشر على الخبازين، والتي تعد الجهة الرّسمية الوحيدة المعنية بالتكفل بانشغالات هؤلاء في مجال المطالب المهنية التي ماتزال تجتر منذ التسعينات بخصوص منح للخباز الأولوية في لوازم وعتاد ومواد صناعة الخبز لدى المؤسسات المخول لها بذلك، وإلى غاية يومنا هذا لم يتغيّر أي شيء أمام تهرّب الجميع من تحمّل مسؤوليته، والوضع ازداد سوءاً في هذا القطاع، هجره الجميع بعدما كان يعوّل عليه في ترقية هذه المهنة.
ولا يعقل أنّه في حي طنجة بالجزائر الوسطى كل المخابز توقّفت عن العمل ماعدا واحدة تتطلّب الوقوف في الطابور للفوز بواحدة على الأقل، وقد عبّر الكثير من المواطنين عن أسفهم الشّديد وتذمّرهم من التصرفات الصّادرة عن هؤلاء الخبازين، الذين ضربوا مبدأ ضمان الخدمة العمومية عرض الحائط، وغادروا دون إبلاغ السّلطات العمومية بما أقدموا عليه من عمل مخالف للقوانين المعمول بها لأنّه لا يقبل بغلق محلات لهذه المادة الحيوية في نطاق مساحة معيّنة، ولا يسمح بذلك إلا في حالة التّنسيق مع المصالح الادارية التي تدعو كل واحد إلى تغطية الغياب الذي قد يحدثه الآخر، أما العمل بهذه الطّريقة فإنّ القانون سيطبّق بحذافيره، وعلى الجميع الذين تخلّوا عن المهام المكلّفين بها ألا وهي توفير الخبز للمواطن، وهذا ما هو مطلوب من الخباز، أما التّفاصيل الأخرى فيمكن الحديث عنها فيما بعد.
وبالرغم من اللّقاءات التّنسيقية والاجتماعات التّوضيحية بين ممثلي الخبازين والوصاية، فإنّ الوضعية ماتزال على حالها والمبادرة أخذها هؤلاء الذين رفعوا من سعر الرغيف إلى ١٠ دنانير، ولا يوجد اليوم ما كان في السباق ٥٠ ، ٧ دينار، هذه التسعيرة لا أثر لها حاليا، وقد فرضت فرضا على المستهلكين لأنّ كل المحاضر الموقّعة بين المعنيّين لا تتحدّث عن ١٠ دنانير. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن المسائل المطروحة ماتزال معلّقة إلى إشعار آخر، ونقصد هنا المطالب التي تبعث في كل مرة كالتزود بالفرينة والزيت والخميرة، من خلال الاستفادة من بطاقة خاصة وتسهيلات لأصحاب المهنة.
عدم الاستجابة هو الذي جعل الخبّازون يصعّدون من لهجتهم، ويقرّرون ما يشاءون بعيدا عن السّلطات العمومية، ويدخلون في هذه المتاهات، والأرقام وحدها تتكلّم عن المخابز المغلقة حتى الآن أو التي ينوي أصحابها غلقها مستقبلا.