”نيران” أخرى تلهب الجيوب

سعيد بن عياد
15 أوث 2017

ما إن تراجعت نيران حرائق الغابات حتى أشعلها تجار الخضر والفواكه، نيران أخرى تلهب جيوب المستهلكين عن طريق فرض أسعار مرتفعة جدا شملت كافة المواد تقريبا في غياب تفسيرات اقتصادية تبرر اختلال المعادلة التي تعتبر عنصرا في ديمومة الاستقرار.
في بلد تمارس فيه التجارة في شفافية ويمتهنها مهنيون مهما كان ثقلهم في السوق، يتكرّس الاستقرار وتتضح الرؤية للمجتمع، ويحرص الجميع على منع أي مغامرة قد يلعب فيه جانب من التجار دور المحرك.  
لا يزال الحليب المدعم فقط يستفيد من حماية الدولة، في وقت تعود فيه ظاهرة الطوابير، علما أن عقلانية الاستهلاك ضرورية على مستوى الأسر ومراقبة تحويل حليب الأكياس إلى منتجات أخرى مشتقة كاللبن والمثلجات لمكافحة الندرة، وأمام مصالح التجارة عمل كبير في هذا المجال.  
لأول وهلة، يعتقد أن اقتراب عيد الأضحى وفّر المناخ مجدّدا للمضاربين الذين يحتكرون السوق، غير أن الموعد لا يزال بعيدا نسبيا، كما أن الاتجاه كله نحو سوق الكباش ممّا يثير تساؤلات حول الخلفيات وراء هذا التغير العنيف، في ظل صمت منظمات التجار المختلفة.
مع أنّ الموسم لجني أنواع مختلفة من الخضر والفواكه، إلا أن انتقال الأسعار من مستوى كان في المتناول إلى مستوى يفوق القدرة الشرائية، يشير إلى أن هناك خلل لا يزال يعيق استقرار السوق ويستثمر فيه بارونات التجارة.
كان شهر رمضان أكثر أريحية بفضل تظافر عوامل عديدة منها إعلان وزير التجارة بالنيابة آنذاك عن قرارات تخذ ضد من يهدون قدرة المواطن ويستهدفون لقمة العيش، وانخرط كافة المتدخلين في توجه الاستقرار بما في ذلك عودة الأسواق الموازية التي تنتظر معالجة واقعية طال انتظارها.
غير أنّ المؤشرات في الآونة الأخيرة انقلبت الأمور تماما لصالح مافيا التجارة، الذين يتحكّمون جيدا في دواليب السوق من حلقة المنتج الى تاجر التجزئة الذي يتجاهل الوضعية ويساهم في لعبة الكبار طالما أن هناك من يشتري ولو بنصف الكيلوغرام.
للأسف، هناك إنتاج وفير في عدد من المواد الغذائية الزراعية مثل الطماطم والفلفل والبطاطس، إلى جانب العنب والتفاح والبطيخ وغيرها من أساسيات الغذاء اليومي للجزائريين، لكن لماذا لا يتوفر بالحجم الكافي في السوق؟
للإشارة، سقطت منتجات أخرى كانت في الماضي ضمن غذاء المواطن العادي أو محدود الدخل مثل السردين والسمك، وقريبا قد تضاف إليها اللحوم البيضاء، وربما البيض الذي ارتفع سعره رغم الحرارة.
في موسم الأمطار يشتكي الفلاح من صعوبة دخول المزرعة، وبالتالي تحدث ندرة وفي موسم الصيف يشتكون من نقص اليد العاملة لجني المحاصيل، وفي كلا الحالتين يدفع المواطن الثمن مضاعفا.
لا بد من ضبط معادلة السوق بكسر شوكة المضاربين، بتأطير السوق الموازية ضمن إطار شفاف وموضوعي مع إلزام التاجر مهما كان بالعمل بنظام الفاتورة التي تسمح بتحددي هامش الربح لكل متدخل ويمكن ضبط مداخيل التاجر خاصة في سوق الجملة، حيث ينتظر الوضع عملا كبيرا في العمق.
لكن أين هي مبادرة التسويق من المنتج إلى المستهلك؟ ومن وراء إفشال المسعى رغم نجاحه كما تأكد في أكثر من موقع خلال رمضان؟ وبالطبع تعرف الجماعات المحلية ضعفا في مجال تنظيم الأسواق الجوارية، وأحيانا يتسبب البعض في عدم نجاحها بفعل سوء التنظيم وربما تضارب الصالح.
لا ينبغي أن ينسي كبش العيد وحرائق الغابات ما يرتكبه بعض التجار في حق زبائنهم، متخفين وراء “أكذوبة” العرض والطلب، في وقت لا تزال فيه شبكات التبريد خارج التغطية من حيث تحديد مدى دورها في تأمين الوفرة، والتزام أصحابها بدفتر الشروط أن كان موجودا بالصيغة الاقتصادية الدقيقة طبعا.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19634

العدد 19634

الأربعاء 27 نوفمبر 2024
العدد 19633

العدد 19633

الثلاثاء 26 نوفمبر 2024
العدد 19632

العدد 19632

الإثنين 25 نوفمبر 2024
العدد 19631

العدد 19631

الأحد 24 نوفمبر 2024