غيّب الموت شمعة أخرى من شموع الوطن المفدى، شمعة أفل وميضها.. تسلل كما ينسل ليل الخريف من ضباب الشتاء، يرحل عوينات خلفها غير مبدل .. ولا مخير، رغم المعاناة مع المرض، بقي يبتسم في وجوه كل الذين لم ينسوه بزياراتهم والاطمئنان عليه، وهو على فراش المرض، مستقبلا اياهم بتلك البشاشة البادية على محياه ..عوينات لم يمهله المرض الخبيث طويلا ..وظل متشبثا بالحياة مقاوما، يجاهد نفسه على البقاء والثبات ومواجهة الدنيا بكل ارادة وعزيمة، وحيث ان المرض لم يمهله طويلا غادرت روحه الدنيا في، أول أمس، والباهية التي أحبها وفضل البقاء فيها .. التي تحتضن عرس الفيلم العربي.
ظل الفنان عوينات وفيا لطابع غنائه المغرابي وهيئته ولم يغير فيهما شيئا على مدى عقود من الزمن، بقي ذلك «اللوك» لصيقا به غير مبدل، وهو يقف على المسارح أو القاعات التي احتضنت سهراته مانحا نكهة، جديدة الى جمهوره المتعطش لسماع أغانيه، في ثمانينيات القرن الماضي ..جاء هذا الشاب من مدينة الباهية ليلج بيوت الجزائريين بقميص ومحفظة تتدلى على صدره الى ركبتيه، وقبعة مراكشية على رأسه بها كومة من الشراشف الخيطية اللولبية، مالت حيثما مال برأسه نحو الجهات.
الى غير ذلك لم يكن اطلاقا يخفي رقصته التي قدمها للمشهد الفني في ثمانينيات القرن الماضي كنوع جديد من حركات الجسد، لم تكن مألوفة بالمرة، ما جعل الشارع الفني والجماهيري يحمل تلك الرقصات محمل الجد، لتصير تقليدا في الحفلات والأفراح التي تحضر فيها موسيقاه.
الى أكثر من نصف قرن ظل هواري عوينات ذلك الانسان البسيط يصنع الفرجة ويدخل الفرحة على قلوب الجماهير، يحافظ على تواضعه وإنسانيته، ينصت لجمهوره، يبادله الاحترام وهو على ذلك القدر الكبير من التؤدة والطيبة والتواضع، لم يغير من طبعه وهندامه، يتواصل مع محبيه في الافراح والمهرجانات.
أسال الكثير من الجدل حول الطابع الغنائي الذي يؤديه، إلا ان أسكت كل الافواه بتوضيحه أن الطابع هو مغاربي وليس مغربي، بمعنى هو امتداد لمنطقة الغرب الجزائري من وهران الى غاية وجدة المغربية، إذ تشترك هذه المنطقة في بعض من ملامحه ووصلاته.
منح عوينات الاغنية الجزائرية نكهة خاصة، ومميزة وكان سفيرا طربيا وممثلا فنيا للجزائر في الضفة الاخرى من المتوسط، وفي باقي الاقطار العربية، أين مثل الجزائر أحسن تمثيل، فاحتضنته الجالية الجزائرية والمغاربية لاقتراب الطابع الغنائي الذي أداه مع تلك الانواع الموجودة بالمنطقة وكان متنفسا لهم، يتداولون كلماته، يسوقونها فيما بينهم ويرقصون على نغماتها، على امتداد هذا العمر الطويل من العطاء الفني، سجل الفقيد عوينات أهم محطاته الخالدة كإنسان وفنان مفعم بالأخلاق الحميدة والنبل وظل على عهده الى أن غادرنا.