الصفات التي لازمت دائما الفقيد رزاق بارة لا يتسع هذا المقام لذكرها منذ أن تولى إدارة شؤون المرصد الوطني لحقوق الإنسان، قناعة منه بأن المسؤولية تتبعها حزمة من الروابط الإنضباطية الأخلاقية، نكران الذات، التضحية والإلتزام.
المرحوم كان من هذا الصنف من الرجال الذين يدافعون عن قناعات واضحة كل الوضوح، تجده في كل الفضاءات الحاملة لبوادر النقاش البناء، والحوار المثمر، بأفكاره النيّرة، وأرائه الإستشرافية، ومقترحاته العملية.
التاريخ يشهد أن بارة سير المرصد الوطني لحقوق الإنسان بحكمة لا مثيل لها، أراد أن يكون دائما الأداة التي تحدث ذلك التوازن في القرارات الإستشارية دون إلحاق الضرر بأحد أو المساس بالأشخاص أو مؤسسات ذات الصلة، هذا الحرص كنا نسجله في كل مرة نحاوره.
هذه المقاربة في العمل أكسبته تجربة رائدة في التسيير. ولم تكن هناك قطيعة في نشاطه عندما انتقل إلى رئاسة الجمهورية كمستشار، بل عززت عمله ودعمته في مساره الجديد. يلاحظ ذلك جليا عند إثارته ملفات المصالحة الوطنية، تطورات منطقة الساحل، ليبيا، الإرهاب والهجرة، وغيرها من القضايا الداخلية والخارجية التي تستدعي تحليلا مستفيضا وشرحا وافيا، قصد فهم مثل هذه المسائل المعقدة والمتداخلة في آن واحد.
وفي كل المنتديات، الجلسات، الملتقيات والأيام الدراسية، سواء المنظمة من قبل المؤسسات العمومية المهتمة بالبحث، أو من قبل الجامعات، إلا وتجده حاضر ملبيا الدعوات التي تصله، وكم من مرة شاركنا معه في مناقشة مواضيع تتعلق بمفهوم الإرهاب بالإذاعة الوطنية، وكلما اتصل به المسؤولون أو الصحافيون يرد بالإيجاب للحضور بالأستوديو لإبداء رأيه في مستجدات الساعة الدولية.
فعلا، أصبح بارة مرجعا قائما بذاته، بداية في شؤون الظاهرة الإرهابية، بحكم ما يصدر عنه من تحاليل منطقية متساوقة مع ما يجري في المنطقة أو في بقاع أخرى من العالم. وكان آخر تدخل له أمام المؤتمر الوطني حول تحديات الأمن ومقاربة حقوق الإنسان، أي يوم الخميس ٢٠ جويلية، أثار وشدّ انتباه الحاضرين، بما أكده بأن المصالحة في الجزائر لم تكن في يوم من الأيام تصالحا مع الإرهاب، بل سعت من أجل تجفيف منابعه.
لابد من الإشارة هنا إلى أن الفقيد كانت له آراء سديدة، بخصوص الإرهاب الجاري هنا وهناك، تجنح دائما إلى المنطق والتعقل المبني على السير في إتجاه إنجاز الاستقرار والتهدئة، هذا هو الخط الذي دأب عليه دائما بارة، وكان له بمثابة الخيار الذي لا رجعة فيه بالنسبة للجزائر.