صديقنا اليوم هو عباس بن فرناس المولود عام 810 ميلادية بإقليم تاكرنا وبالضبط ببلدة رندة الأندلسية (إسبانيا اليوم) من أسرة أصولها أمازيغية. إبان حكم الدولة الأموية أيام حكم الحكم بن هشام وابنه عبد الرحمن وأطلق على هذه الشخصية العبقرية اسم حكيم الأندلس نظير تعدد اكتشافاته واخترعاته لأنه كان شاعرا وضاربا للعود وكذلك طبيبا من بينها تصميمه لساعة مائية سُميت بالميقاتة عملها تحديد الشرق من الغرب وصناعته للزجاج الشفاف من الحجارة وكذلك النظارات الطبية. كما أنه صنع أول قلم حبر في التاريخ والذي يعمل عن طريق الأسطوانة... يوجد له لحد الساعة تمثال بالعاصمة بغداد... وكذلك أطلقت عليه وكالة ناسا الفضائية اسمه على إحدى فوهات الأقمار... لم يسلم عباس من وشاية الحساد والعذال أيامه حتى أتهم بدوره بالكفر والزندقة فتمت محاكمته بإحدى المساجد علنا ثم تبرئته... وتقول المراجع بأن سقوطه على ظهره في أول محاولة طيران له هي التي تسببت وعجلت فيما بعد بوفاته سنة 887.
كل ما يهمنا في هذه اللفتة هي الأفكار التي سبقت مشروعه في الطيران... فحتى وهو أخفق في التحليق، فإن العلماء والباحثين. يصنفون هذه المحاولة من أكبر انجازات البشرية قبل أن يجيئا الأخوين رايت اللذان اخترعا الطائرة. فالفكرة في حدّ ذاتها جوهرية. وتنبيء عن عقل طموح جامح.. لكنها للأسف حملت معها نكسة النسيان.. بحيث وفي الوقت الذي صنع عباس جناحين من القماش ولفهما بالحرير. تناسى تماما قيمة الذيل. والذي اعتبره علماء الطيران فيما بعد ركيزة أساسية للطائرة كلما حاولت الهبوط يوم كانت الاكتشافات على قدم وساق.... وعلى هذا الأساس لم يضع عباس الحسابات الفيزيائية. فسقط وهوى سريعا مثلما صعد وحلّق سريعا وتعرض لكسر في إحدى عظامه الخلفية.... كل ماهمنا كما قلنا هو قيمة الذيل والذي يعتبر في ثقافتنا العربية دائما وأبدا بالشيء المشين والهيّن وغير المهم.. ونعتبره دوما شيئا منقوصا لا أهمية له...لكنه بالعكس ..الذيل هو من يحقق التوازن لفوقي والتحتي كما هو يحقّق الإقلاع السليم والاستمرار في التأمل والتمتع وفي ذلك حكمة ربانية للقادر القدير الذي لم يخلق جزءا في الأرض ألا وهو ذي أهمية ...ولنأخذ هذا من جانب سياسي أولا....بحيث كل الذين نجحوا وعمّروا سياسيا كانت لهم أذيال قوية وفعالة مؤثرة ونجحوا من باب التاريخ فقط والذي في أغلب الأحايين لا يفرق بين الشر والخير .بمعنى أي زعيم سياسي أو قائد سر قوته تكمن في حاشيته وأذياله الذين يمثلون له المرجعية والسند بل الوعاء الذي يمكنه من المكوث أطول والخلود أكثر؟ا وكذلك التحليق في سماء المسؤوليات وصناعة أكبر قدر من الشواهد التاريخية...ماذا لو أن عباس بن فرناس تذكر في زمانه أي وهو يجهّز نفسه للتحليق أن يضع حسابات الذيل؟ا ألم يكن له أن طار فعلا مثل الطيور وصار اختراع الطائرة من صلب عربي قح ...قبل أن يأتي بعده لا الإخوة رايت ولا بروغر بيكون هذا الأخير والذي كما هو معروف جاء بعد400 سنة من وفاة عباس ويخترع آلة تطير كاملة وجاهزة بكل المواصفات... إنها إذا ثقافة إهمال الجزئيات التي تعتبر مرضا فكريا لازم ولازال الكثير من العقول العربية خاصة تلك المشتغلة في الحقول المعرفية والفنية والأدبية وحتى الرياضية...لهذا لطالما بقينا نسمع من أفواه المعلقين الرياضيين أن هذه المقابلة أو تلك تُلعب على جزئيات صغيرة ...ولهذا وذاك تفوق علينا العقل الغربي لا لشيء سوى أنه دقيق...ولا يخوض التجارب العلنية إلا إذا أحس أنه لن يترك وراءه عثرة أو نقطة ضعف تُحسب عليه ...هل العقل العربي متسارع لهذا الحد أم هو متناس ومتهافت لاهثا وراء البروز ليس إلا.... ليس ندري لحد الساعة...كيف تمّت عملية محاولة الطيران لعباس بن فرناس .. هل تمت في سرية أم هي محاولة علنية. أشهد عليها الجميع؟ا والأكيد أن الرأي الأخير هو الأصح وإلا من الذي نقل أطوارها وسجلها لنا حتى نعرفها اليوم.... نقول أخيرا أن العلماء العرب مشكلتهم أنها لم يبدعوا في الفيزياء وأهملوا هذا الجانب المهم من العلوم لأنه الأقرب للواقع والواقعية وكذلك للعقل والعقلانية. وهذه نقطة ضعفهم الأولى والأخيرة ..ومنه ظلت هذه الآفة تلازمهم حتى اليوم.. عكس الأوربيين الذي تفقوا جيدا وأعملوا عقولهم في هذا المجال.. بناء وتحكيما على قوانين الكون.. ومنه صاروا منطقيين أفضل وأوسع منا إدراكا وتدبرا .. عكسنا تماما ممن بقيت جهودنا تتكيء على التجريد والخيال حتى لا نقول على الخيال والذي مجرد ما إن نزل إلى أرض الواقع إلا وبدا منقوصا وغير مكتمل ومجرد تأوبلات ... الذيل إذا حماية وصيانة ليس للأعراض فقط وإنما للأفكار والمشاريع والتطلعات... وحماية لرضا الكون... وحينما نسي عباس أهمية وحسابات الذيل راح يدفع بموجب ذلك ثمن حياته... فكم لعالم من هفوة وكم لفارس من عثرة. يوم يبصر فقط ولا يتبصر ويوم يتحسر وينكسر.
شاعر وصحفي جزائري
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.