عدم الذهاب أو تفادي السقوط في أخطبوط الإستدانة.. أدرج كالتزام صارم في مخطط عمل الحكومة، خلال المرحلة القادمة.. في تسيير شوون البلد في شقيه الإقتصادي والمالي في آن واحد.
وللوهلة الأولى يتضح جليا من خلال قراءة متفحصة لمضمون ماورد في هذا الشأن أن الجزائر قررت الإعتماد على نفسها، في التكفل بتنميتها الشاملة ونقصد هنا إختيار طريق التحدي.. وهو أمر ليس بالسهل في خضم التراجع المسجل في عائدات البترول.
وهذه القناعة العميقة.. ليست وليدة اليوم بل تعود إلى اللحظة الأولى عند تهاوي أسعار النفط وتعالي الأصوات من هنا وهناك.. الداعية إلى التقرب من المؤسسات المالية الدولية لا ندري لماذا هذا الإلحاح من قبل من ينشط في هذا الحقل،
هذا لا ينفي أبدا القول بأن هناك تآكل لصندوق الواردات إلى مستوى معين نظرا للطلبات المتزايدة على العملة الصعبة فيما يتعلق بفاتورة الإستيراد.. وقد وصف الوزير الأول عبد المجيد تبون هذا الوضع «بالمقبول»، وهذا يعني ضمنيا بأن هناك هامش مناورة واسع أو بالأحرى مفتوح أو قائم حاليا من أجل إعداد أرضية عمل ذكية تراعي كل هذه المستجدات الخارجية والسعي لتكييفها مع الواقع الذي نحن عليه.. إنطلاقا من إشارة رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة خلال اجتماع مجلس الوزراء الأخير أن الوضعية الراهنة للبترول «طال أمدها».. وهو تشخيص واقعي وواضح.. نعتقد جازمين بأنه رسالة واضحة المعالم إلى كل الجهات المسؤولة والشركاء والمتعاملين، من أجل التشمير على السواعد التكيف إقتصاديا مع هذه الحالة مهما كانت الظروف.
في هذاالإطار فإن السلطات العمومية أدركت أبعاد ما تعرضت له أسعار النفط مطالبة بتغيير الوجهة أولا نحو إستحداث ذلك التضامن بين الحكومة والأطراف الإجتماعية في نطاق ما يعرف بعقد النمو بواسطة تنشيط الثلاثية ومن جهة أخرى الإسراع إلى التقليص من النفقات العمومية والتحكم في فاتورة الإستيراد بشكل جدي وفي هذا الشأن فإن الإرادة الحالية تخفيضها إلى ١٠ ملايير دولار، بدلا من الرقم المتداول حاليا والذي لا يعقل الإستمرار فيه، مع نظرة أكثر حيوية إلى التصدير.
كل هذه التوجهات لترقية الإقتصاد الجزائري ما بعد البترول ستكون محل تعميق وتحذير من قبل الحكومة في غضون الأشهر القادمة، من أجل معرفة التقدم الحاصل على ضوء كل الإجراءات المتخذة، ليس من باب التقشف وإنما إعادة تنظيم الأداء الإقتصادي وفق نظرة جديدة مرجعيتها الجدية الإنضباط والتنويع الإقتصادي كتدبير من التدابير المتبعة، لا ينجز بين عشية وضحاها بل هو تفكير واسع النطاق له صلة وثيقة بالمعرفة الدقيقة لدواليب المؤسسات التجارية، القادرة على طرح تلك القيمة الإضافية المرجوة والمبحوث عنها في نفس الوقت وهذا يتطلب إعادة تصنيف هذا الإرث على أساس رؤية منطقية في مثل هذه الحالات الإستثنائية التي تتطلب حرص لا مثيل له في إستهداف المجالات المراد أن تكون مرافقة لهذا المسعى الوطني الصادق الرامي إلى إزالة كل الشوائب والسلبيات التي ما تزال تعرقل أو تعترض إنطلاقة الإقتصاد الجزائري.
وفي هذا الشأن أبدى مسؤول المؤسسات المالية الدولية في غضون الأيام السابقة تفاؤلهم للمؤشرات الحالية لحركية الإقتصاد الجزائري مؤكدين بأن هناك فرصا متاحة لأن يكون في مرتبة متقدمة جدا.
وهذه الشهادة صادرة عن خبراء لا يجاملون أحدا، في هذه المسائل الحساسة والشائكة كونها مبنية على حسابات وأرقام وإحصائيات، تتحدث وحدها عن نفسها.. وكل سنة يطل علينا وفد الأفامي وفقا للمادة الرابعة من إتفاقيته حاملا معه تقييمه وخلال هذه السنة أعرب ممثله عن إرتياحه للسير الحسن للعملية الإقتصادية في الجزائر والإستمرار في التنسيق بين الجزائر والصندوق فيما يتعلق بالملفات المطروحة للنقاش علما أن الأفامي أقرضته الجزائر ٥ ملايير دولار.
وبناء على كل هذا المسار فإن الإبتعاد عن الإستدانة هو بمثابة الحفاظ على القرار السيادي الجزائري من كل الضغوطات الخارجية وهذا أمر لا نتلاعب به أبدا وفي مقابل ذلك علينا أن نلقي بروح الإتكالية واللامبالاة جانبا.