في اليوم الوطني للفنان المصادف لـ ٨ جوان، تبحر بنا الذاكرة الى زمن نادر في العطاء والابداع لنستحضر همم كل من واكب بناء هذا الوطن بالكلمة المسؤولة التي ماتزال الى غاية يومنا، ترن في آذان الجزائريين لماتضمنته من قيم حب الوطن والتعلق بالثورة وبداية مشوار طويل في سياسة البناء والتشييد.
إنها كوكبة، عفوا، عمالقة في الأغنية الملتزمة التي خاطبت الجزائر وهي بصدد ارساء قواعد التنمية الوطنية الشاملة لبلد خرج منتصرا على استعمار غاشم وما كان على ورثة علي معاشي إلا السير في الاتجاه الذي يمجد البلد، ويدعم الاستقلال.
هكذا غنّت صليحة الصغيرة يا ثورة الأحرار، ورابح درياسة» يا شعب الأحرار، هيا شاركنا الأفراح» وبلاوي الهواري «أنت من جهة وأنا من جهة نبني ونعلي بلادنا» والهاشمي قروابي « يا بلادي» وكان على هذا المنوال الوطني، خليفي أحمد، أحمد وهبي، محمد راشدي، سلوى نورا، العماري، سعيد السايح، علي الزبيدي، مهدية، كل هؤلاء وغيرهم تفاعلوا مع الحدث السياسي والاقتصادي آنذاك تحت قيادة الجوق الوطني لبوجمية مرزاق، عبد الوهاب سليم، تيسير عقلة، معطي بشير، هارون الرشيد، عبد الله كريو، وشريف قرطبي الذين أبدعوا أيما ابداع في الأغنية الوطنية الحاملة لآمال الشعب الجزائري في صناعة مصيره بنفسه.
هؤلاء المبدعون، مؤدون للأغنية أو ملحنون بنوا مجدا بارزا للجزائر آنذاك ساروا على درب كل من كان يؤمن إيمانا قويا بـ» جزائر مهابة الجانب» « جزائر العدالة الاجتماعية، التضامن، الثورات الـ ٣ طريق الوحدة الافريقية السد الأخضر، وألف قرية فلاحية كل العمل الابداعي كان يدور حول هذه المحاور الجوهرية الحاملة للأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والثقافية دون أي خلفيات أخرى ماعدا خدمة هذا الوطن.
اليوم نحتاج الى ذلك الزخم الابداعي لأن الفراغ سيد الموقف في الأغنية الوطنية ورائعة عمر البرناوي «من أجلك يا وطني» لم تصدر نظيراتها الأخرى في هذا الشأن وغابت المنافسة الشريفة التي كان يراد بها تعزيز المشهد الفني عندنا وقد حاول كل من عز الدين ميهوبي ومحمد بوليفة وقويدر بوزيان فرض منطق آخر وهذا بالذهاب الى خيار « الأوبيرات» التي حلت محل الأغنية الوطنية القصيرة بالاعتماد على النص التسلسلي التاريخي من المقاومة الشعبية الى ثورة التحرير وما على ذلك من سياسة البناء الوطني قوتها في الصورة والصوت وتوظيف مهارات فائقة في الأداء والتقنيات والسينوغرافيا.
هذا العمل الفني الابداعي، يركز على الفعل الجماعي بدلا من الفردي لتنصهر كل الكفاءات في هذه الحركية الرامية لإبراز قيم الصمود والتصدي والعمل لدى الشعب الجزائري، منذ العهود الغابرة ضد جحافل الغزو.
هذا التغير الجذري في الساحة الفنية مرتبط ارتباطا وثيقا بالتحولات الكبيرة التي شهدتها الجزائر على أكثر من صعيد وتدحرج دور الفنان ورسالته بين اليوم والأمس نظرا لعدة اعتبارات منها غياب التعامل مع الكلمة الهادفة واحلال محلها الهابطة والساقطة ورفض دور التسجيل التكفل بهؤلاء استنادا الى مقولة «أكل عليها الدهر وشرب « ماتمشيش» أي لاتباع، مما دفع بالكثير الى الانسحاب بشرف من الساحة وترك الأمر للآخرين للأسف ولابد من القول هنا ان الجهة الوحيدة التي ماتزال تهتم بهؤلاء أي اصحاب الكلمات الوطنية هي الاذاعة والتلفزيون، كل مرة تطالعنا بانتاج خاص بالمناسبات لشباب لهم مستقبل واعد في الأغاني الوطنية لذلك فإن لهذا الفنان رسالة ترافقه، لا يجب أن يفكر في الجانب المادي فقط، لأن هذا ما سيبعده عن الهدف الذي سطره لنفسه، وعليه بالعودة الى كل ما أنتجه هؤلاء حتى يتعلم منهم ويكون عند حسن ظن الجميع لربح معركة اثبات الذات.