حملت زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان، أمس، إلى الجزائر برنامج عمل يعزز مسعى التعاون الثنائي لبلدين تربطهما علاقات تمايز واستثناء يحرص عليها قادتهما عبد العزيز بوتفليقة ومانويل ما كرون اللذان لهما رؤى متطابقة لأمهات القضايا الساخنة وتعقيدات الظرف لا سيما ما يجري بدول الجوار ومنطقة الساحل من توترات واضطرابات تستدعي تكاتف الجهود وتنسيق المواقف لتسوية سياسية بعيدا عن أي تصعيد وعنف.
ظهر هذا جليا من خلال ما صرح به الوزيران عبد القادر مساهل ونظيره الفرنسي الذي تدخل زيارته لبلادنا في إطار ضبط ملفات وترتيب زيارة الرئيس ايمانويل ماكرون المرتقبة هذه الأيام. وسبق للرئيس الفرنسي أن أبدى إرادة سياسية في إعطاء نفس آخر للعلاقات الثنائية، معتبرا الجزائر شريكا استراتيجيا في المنطقة ومحورا جيو سياسيا، تحل عبره التعقيدات والنزاعات وتقرب وجهات النظر بين الاطراف المتناحرة سواء في ليبيا أو منطقة الساحل التواقة إلى الاستقرار والتكامل والتنمية المستديمة المعول عليها في بعث الأمل ووقف النزوح البشري بعد موجة الإرهاب الأعمى التي تستغل هشاشة المؤسسات وضعف الأداء لزرع الموت والقنوط.
أكد ماكرون على هذا التوجه قبل توليه الرئاسة وجدده أكثر من مرة، آخرها زيارته إلى مالي مشيدا بجهود الوساطة الجزائرية في تذويب الخلافات بين الأطراف المالية وإقناعها بخيار التسوية السياسية اعتمادا على الذات دون تدخل خارجي عسكري. وهو ما حدث مع إمضاء اتفاق السلم والمصالحة الذي مرت عليه سنتان. وهو اتفاق منبثق عن مسار الجزائر المحطة المفصلية لمسعى الحل السلمي في ليبيا الغارقة في اضطرابات ومشاحنات فصائل تدير ظهرها للتسوية غير مدركة لخطورة الوضع على وحدة وسلامة البلاد الترابية.
هذه الاضطرابات في المنطقة، المستغلة من أطراف تخوض مواجهات وحروب بالوكالة عن جهات تعمل ما في المستطاع من أجل تغذية النزاع لحسابات مصلحية وصراعات نفوذ ونهب ثروات، هي التي وجدت الاهتمام البالغ من طرف الجزائر وباريس اللتين تضعان محاربة الإرهاب في أولى الغايات والأهداف. ظهر هذا في رزنامة مختلف زيارات وفود البلدين، منهم حاليا وزير الخارجية لوديان المشدد في تصريحاته على أن الإرهاب هو الخطر الدائم ومواجهته مسألة مصيرية في استراتيجية إعادة الاستقرار لليبيا والساحل عامة.
إنها الورقة الحاسمة في معركة البناء لمنطقة تآكلت بالحروب وأثقلت كاهلها نزاعات كثيرا ما كانت محركة من قوى الخارج. نزاعات تحت أغطية وتسميات متعددة، تقاسمت فيها الوظائف وأجمعت على هدف واحد وحيد: ضرب استقرار الدول وإدخالها إلى المجهول. والنتيجة انتشار عصابات الإرهاب والجريمة العابرة للأوطان، ونزوح أمواج البشر في هجرات لا تتوقف نحو الشمال مخترقة القلعة الأوروبية المحصنة، متجاوزة الحواجز والممنوعات.
عندها أدركت العواصم الخطر القادم واقتنعت بحتمية البحث عن بدائل أخرى تعزز الاستقرار في مناطق تلتهب بنيران حروب أشعلها غيرها. عند ها فقط أدرك من ظل يتردد ويروج لأشياء ما أنزل الله بها من سلطان ضرورة الكف عن الانتقائية في التعامل مع الإرهاب وقاعدة “تخطي راسي” لأن جرائمه تضرب بوحشية الجميع.