يبقى الخبز سيد مائدة رمضان، ولذلك لا يزال يقاوم تطور نمط الغذاء أمام دخول مواد أخرى ذات نوعية مثل «البوراك» الذي يتعزز موقعه لدى الأسرة الجزائرية بالنظر لقيمته الغذائية وتنوع عناصره وكذا الخبز التقليدي(المطلوع) الذي يتصدر المشهد.
لكن للأسف يعتبر الخبز من أول المنتجات الغذائية التي تؤول نسبة عالية منه إلى مواقع النفايات المنزلية، علما انه مادة مدعمة وتتطلب مراجعة أسلوب تناولها برؤية اقتصادية.
يلاحظ (في غياب إحصائيات دقيقة) تطور نمط اِستهلاك الخبز على مستوى الأفراد والأسر، حيث تبرز ثقافة تحكم في الطلب مما يقلل من حجم تبذير الخبز بتقليص الاقتناء والحرص على طلب النوعية ولو قلت كميتها.
حقيقة هناك درجة من الوعي بضرورة توسيع رقعة اِقتصاد اِستهلاك الخبز لأسباب صحية أولا واِقتصادية ثانيا، ويظهر المستهلك العادي سلوكات جديدة في هذا المجال مما يدفع إلى توقع تحقيق نتائج إيجابية في هذا المجال.
غير أن الجانب الذي لا يزال هشا في تأسيس ثقافة اِقتصاد الخبز وتقليص تبذيره، ويتعلق بالمطاعم ومراكز المخيمات وكبريات المؤسسات التي تقدم الإطعام الجماعي مثل المستشفيات والمطاعم الجامعية، حيث لا تزال تعاني من سلوكات التبذير التي تكلّف الكثير من الموارد خاصة في ظل الأزمة المالية التي يجب أن يساهم الجميع في مواجهتها بالتزام قواعد ذات طابع اِقتصادي.
يمكن انجاز أهداف اِقتصاد استهلاك الخبز بادراك القائمين على تسويقه وتقديمه خاصة في المطاعم العمومية والجامعية لأهمية الشعور بالمواطنة، والاقتناع بان اقتصاد رغيف يقابله اقتصاد مقابل مالي ويمكن تصور اتساع دائرة مثل هذا السلوك على مدار السنة.
وتجد هذه السيرة الراقية جذورها في ثقافة المجتمع الجزائري، فقد كان الخبز ولا يزال كقاعدة عامة من المواد الجديرة بالتقدير والإحترام إلى درجة أن الطفل حينما يصادف قطعة خبز مرمية على الأرض يقوم مباشرة بحملها ووضعها جانبا بعد تقبيلها تعبيرا عن إدراك قيمته الغذائية والإقتصادية.
ويمكن تحقيق نتائج أكثر اِيجابية في وقت وجيز لو يتجند المجتمع الجزائري بداية من هذا الشهر، خاصة وأن مؤشرات ذلك قائمة، لبناء نمط اِستهلاكي صحي واِقتصادي، وهو ما يقع على عاتق الجمعيات الإستهلاكية التي يبادر بعضها بنشاطات في هذا الإتجاه ولا يزال البعض الآخر متأخرا عن ذلك، مع اِنخراط فعال للجماعات المحلية التي يمكنها تطوير مسالك لاسترجاع الخبز وتصريفه لغايات مكلمة أخرى في الدورة الاقتصادية كعلف للحيوانات.
بعد رمضان تحل الأعراس والولائم وتنشط مطاعم الصيف، ولذلك من المهم أن يوضع الخبز اِستهلاكا واِقتصادا، أي مكافحة تبذيره، ضمن أولويات يوميات المواطن الجزائري، الذي يستفيد من دعم هذه المادة ومن الواجب حماية هذا المكسب بترقية نمط الإستهلاك والتحكم في وتيرة الطلب مع توجه نحو بدائل أخرى في إعداد الأطباق كالإكثار من الخضر والفواكه وتقليص الخبز.
وبالفعل يبدأ بناء هذا النمط من الأسرة نفسها، حيث تؤسس ثقافة اِستهلاك غذائية وصحية واِقتصادية، ومن ثمة مكافحة سلوكات غذائية سلبية، غالبا ما يكون الخبز مادتها الأساسية، مثل تناول المشروبات الغازية والبطيخ بالخبز، بل هناك حتى من يتناول الكسكسي والمعكرونة بالخبز.