عندما تأكدت الإدارة الاستعمارية أنها لن تستطيع القضاء على الثورة الجزائرية وفهمت أنها ليست انتفاضة كسابقاتها يمكن إخمادها والقضاء عليها بالنظر إلى بعدها الوطني الشامل، أخذت تفكر في انتهاج طرق جهنمية انتقامية بديلة وكان من أهمها استهداف إطارات ومثقفي هذه الثورة من خلال بث البلبلة والارتباك في أوساط جيش التحرير الوطني وكانت البداية ببث إشاعة مغرضة بأساليب استخبارية جهنمية تنزع الثقة عن الطلبة المثقفين تعطي الانطباع بأنهم كانوا مجرد عملاء جندتهم المخابرات الفرنسية المعروفة اختصارا بـ “سداك” آنذاك وكان وقع هذه الخطط الاستخباراتية التي أطلقها النقيب “ليجي” للأسف كارثي على الثورة وخاصة في الولاية الثالثة أين وقعت الكثير من الأخطاء في إطار ما عرف بـ “لابلويت” التي أدت إلى تصفية الكثير من الطلبة الذين التحقوا بصفوف الثورة بسبب تلك المعلومات الخبيثة والملغومة التي بثها المجرم “ليجي” و لولا أن الثورة تفطنت للمؤامرة لكان عدد الضحايا أكثر بكثير .
استراتيجية الإدارة الاستعمارية من خلال ذلك كانت واضحة وبعيدة المدى وهي القضاء على مشروع بناء الدولة الجزائرية بإزاحة الإطارات والقضاء عليهم وذلك من خلال استبعاد الطلبة من الالتحاق بصفوف جيش التحرير أو زرع الخوف في أوساطهم لثنيهم عن ذلك وفي الوقت نفسه العمل على تصفية المتواجدين في صفوف جيش التحرير الوطني من خلال مثل تلك المؤامرات الخبيثة، إلا أنه و رغم الخسائر الكبيرة المسجلة فشلت المؤامرة والتحق المئات من الطلبة بالجبال تاركين مقاعد الدراسة وراءهم و حملوا السلاح في وجه المستعمر ثم تحملوا المهمة الأصعب لاحقا بتسيير دواليب دولة فتية تركت لمصيرها ورغم ذلك استطاعوا رفع التحدي وتحملوا مسؤولية تسيير الدولة ومؤسساتها ولم يسقط مشروع الدولة الجزائرية ولم توجه الجزائر المستقلة نداء استغاثة إلى أحد كما راهنت عليه الإدارة الاستعمارية.
اليوم ونحن نحيي الذكرى 61 لإضراب الطلبة الجزائريين يوم 19 ماي 1956 مساندة للثورة التحريرية من واجبنا أن نترحم على شهداء هذا اليوم الكبير في تاريخ الجزائر المكافحة وهذا أضعف الإيمان وأن نغبط الأموات والأحياء منهم وعيهم الوطني الكبير وإيمانهم بقضيتهم وحتى نفهم حجم الإنجاز والتحدي الذي قاموا به علينا أن نضع الحدث في سياقه الزمني والمكاني فلم يكن شيئا بسيطا في تلك الفترة أن يخرج طلبة جزائريون يدرسون مقررات تفرضها عليهم جامعة الإدارة الاستعمارية ويتركوا مدرجاتها للدخول في إضراب مناهض للفلسفة الاستعمارية الاستيطانية في حد ذاتها بل ساهم ذلك لاحقا في تقويض هذه الفلسفة ليس في الجزائر وحدها ولكن في كل العالم.