بينما ينشغل العالم بمحاربة الإرهاب خاصة في مناطق التوتّر والحروب الملتهبة كالعراق وسوريا، ما زالت التنظيمات الدموية تمثّل تهديدا كبيرا في عدّة دول بأفريقيا، كجماعة «بوكوحرام» الإرهابية التي تقف دولة نيجيريا عاجزة عن قهرها، برغم الحرب الشرسة التي تخوضها ضدّها منذ سنوات.
فهذه الجماعة الدموية التي تمارس كلّ أشكال وطقوس العنف والإجرام في حقّ الأبرياء منذ ثماني سنوات، أصبحت بالفعل تحدّيا أمنيا كبيرا ليس فقط لنيجيريا، بل وللجوار أيضا، الذي يجد نفسه هو الآخر في مرمى نيرانها وضرباتها الموجعة، ما يطرح علامة استفهام عن جدوى الحرب المعلنة ضدّها، وعمّا إذا كان السّلاح هو الوسيلة الوحيدة القادرة على قهر ودحر الدّمويين، أم أنّ هنالك أساليب ووسائل أخرى يجب اعتمادها لإنجاح الحرب على الإرهاب؟.
الجواب نستشفه من تصرحيات للرئيس الغيني ألفا كوندي، الذي يعتقد بأن خللا كبيرا يحيط بالحرب على الجماعات والتنظيمات الإرهابية بأفريقيا، الأمر الذي أدّى إلى فشلها حتى الآن، ويرى بأنّ محاربة الظّاهرة الإرهابية يجب أن ينطلق من محاربة مسبّباتها وليس نتائجها، وبأساليب أخرى تضاف إلى السلاح..
ألفا كوندي يقول إن الافتقار إلى التّنمية في القارة السّمراء، وما يخلّفه من فقر وعوز وغبن، يغذّي الإرهاب، مشدّد على أنّ التّنمية تبقى في كلّ الأحوال أكثر الأسلحة فعالية لمواجهته.
كما نرى، في هذا الكلام الكثير من الحقيقة، فالدّمويون يتغلغلون دائما بتنظيماتهم في مناطق الفقر والعوز، حتى يسهل عليهم استقطاب أكبر عدد من اليائسين والنّاقمين إلى صفوفهم، لهذا نرى عملية التجنيد متواصلة وحجم التنظيمات الإرهابية يكبر يوما بعد يوم.
من هذا المنطلق، يصبح ملحّا كما قال الرّئيس كوندي، اعتماد معركة التنمية لإشغال الشباب البطّال بالعمل، وبالتالي إنقاذه من براثن الدمويين.
لكن هذه التنمية، كما يتصورها الرئيس الغيني، يجب أن تتم بسواعد الأفارقة، وبالتعاون فيما بينهم، فإفريقيا، كما أضاف، يجب أن تعتمد على قوّتها الذّاتية، وأن تكتفي بالتعاون مع الخارج دون الاعتماد عليه لأنّه في الغالب يبني عظمته ويحقّق رفاهية شعوبه بخيراتها.
الإرهاب في القارة السّمراء يستغل الظروف الصّعبة التي تعيشها العديد من الدول ليؤسّس قواعده بها، ومنها يشرع في التجنيد والتدريب وإطلاق اعتداءاته، لهذا تبدو محاربة هذه الظاهرة دون جدوى حتى الآن، فكلّما تمّت تصفية أعداد من الدمويين، إلاّ وحلّت محلّها أعداد أخرى، الأمر الذي يحتّم مراجعة استراتيجية الحرب على الإرهاب والاعتماد على مواجهة أسبابها لا نتائجها بعيدا عن التدخّلات الخارجية المؤجّجة والمشبوهة.