لا يقاس عمر الكاتب ابداعيا بسنوات قضاها في حقل الكتابة والتأليف وفي شتى مجالات الفنون والآداب ،إنما يقاس بمدى حضوره وسط المشهد الادبي وتناول كتبه وإصداراته بالقراءة والبحث والنقد والعناية ، سواء في مدرجات الجامعة من خلال الدراسات ورسائل التخرج او على رفوف المكتبات المختلفة ، أو في مخابر اللغات والترجمة .
رشيد بوجدرة الكاتب والروائي والمبدع .. صاحب الحلزون العنيد ظل وفيا لنسقه الادبي ، لم تتغير نظرته الى المجتمع على مدار نصف قرن من العطاء الادبي ظل رفيق الكتابة على منوال واضح لم تخنه اللغة في ترويض تلك الاحاسيس وترجمتها الى معاني ، تاركا اثرها البالغ عند القارئ والمتلقي .
خمسون سنة من الابداع والاحتراق بنار الرواية ، لم يهدأ لهيبها .. لم يترك طابوها الا وكتب عنه ، الى ان لقب بالكاتب الجريء وأحيانا المبتذل ومرات ينعت بالزنديق جدال كبير، وجدل مبهم من النعوت والاوصاف رافقته ابداعيا ، ولكنه رغم ذلك لم يتوقف نبض الكتابة عنده ، فواصل المتعة بوهجها ، متخطيا الاحكام الجاهزة ، حتى وان اختلفنا معه حولها ، فان الابداع عنده هو التجاوز .
اللغة عند بوجدرة ليست الإنكار لنشأته الاولى التي سكنت روح ذلك القروي ولا هي التفكك عن اعراف القبيلة وعرش الحراكتة ، ولا هي التطليق كما حاول البعض ان يروجون له بعد ان كتب اعماله باللغة الفرنسية ، إنما هي ضربة جزاء ، حاول من خلالها اثارة العسس من جمهور الادباء بعيدا عن فيس الكراهية وقريب من الاراثة ليستقر به المقام في مكان بعيدا ومن حياة جديدة تتجدد مع الكتابة بتيميمون رافضا البقاء بين جدران فندق سان جورج.
ان فوضى الاشياء «عند بوجدرة شبيهة ب شجر الصبار حين ينوء عن طبيعته دون وعي ، في معركة من اجل البقاء يتوق الى ليليات امرأة ارق يرسم فواصلها دون موانع ..تتبعه الخيبات من كل جهة بعد اثارة الثالوث المقدس في كتاباته ويحتفي في خياله ببلوة الصراحة الى ان يغرق في الف عام وعام من الحنين
خمسون سنة من الكتابة تعني الكثير والكثير لمبدع ترك مروره في المشهد صخبا فكريا ومعرفيا وإيديولوجيا كبيرا ، وعلى هذا المدار الطويل خلف اكثر من ثلاثين عملا ادبيا وترجمت الى خمسة وعشرون لغة عالمية وملايين الاصدارات تم طبعها ...ناهيك انه المبدع الوحيد الذي يقتات ويعيش على اصداراته ولا يتلقى معاشا ماعدا تقاعد الكتابة الذي لايحدد بالسن في عالمه.