توجه، أمس، الشعب الجزائري إلى مكاتب الاقتراع لاختيار ممثليه بالمجلس الشعبي الوطني للخمس سنوات المقبلة.
لعل ميزة الانتخابات التشريعية الخامسة في عهد التعددية السياسية، إضافة إلى أنها تأتي في ظل دستور عدّل في العام 2016، أقر إجراءات هامة لتعزيز العمل التشريعي، السياق الوطني والدولي الذي يجعل الجزائر أمام تحديات سياسية وأمنية واقتصادية مغايرة تماما لتلك التي عاشتها في السابق.
جرت أهم محطة في العملية الانتخابية، ممثلة في الاقتراع الذي يكتسي أهمية بالغة، على اعتبار أنه يتزامن والإصلاحات الجذرية التي أقرتها الجزائر في جميع القطاعات والميادين من جهة، وكذا تبعات انخفاض أسعار النفط منذ العام 2014 وما ترتب عنه من تراجع كبير في المداخيل، الذي لم يترك مجالا آخر أمام الجزائر غير التعجيل بتجسيد خيار التنويع الاقتصادي الذي كان مطروحا منذ مدة كبديل عن التبعية الكبيرة لمداخيل الذهب الأسود، وإلى ذلك الوضع الأمني في منطقة الساحل ودول الجوار، فرض تحديات أمنية جديدة.
الدستور المعدل قبل سنة، الذي حفز الطبقة السياسية عموما، وأحزاب المعارضة على وجه التحديد، إلى جانب تكريسه ضمانات جديدة ودسرته الهيئة الوطنية العليا المستقلة للمرة الأولى، بعدما كان الأمر يقتصر في السابق على لجان وطنية مكونة من ممثلي الأحزاب السياسية، يعاب عليها عدم الحياد، أقر إجراءات جديدة تفتح صفحة جديدة في الممارسة التشريعية للأقلية، بمنحها عدة مكاسب، أهمها حق الإخطار والمبادرة باقتراح مشاريع قوانين، ما يعطي لها وزنا في البرلمان، سمة إضافية لاقتراع أمس.
تختلف الانتخابات التشريعية عن الانتخابات الرئاسية، من حيث الاهتمام بها من قبل الناخبين وكذلك من قبل وسائل الإعلام الأجنبية، أمر منطقي، بالنظر إلى طبيعة الاستحقاق، إلا أنها محل اهتمام كبير من قبل المواطنين في المناطق الداخلية وفي عمق الوطن، على عكس المدن الكبرى، ما يفسر التفاوت في نسب التصويت بينها، إلا أن الأمر الأكيد أن نسبة المشاركة لن تقل عن تلك المسجلة في الطبعات السابقة، لأن الناخبين الذين اعتادوا اختيار ممثليهم لن يتخلفوا عن الموعد.
كما أن نجاح الحملة الانتخابية يقاس اليوم بنسبة التصويت، ومن خلاله يقاس الوزن الحقيقي للأحزاب السياسية. وستؤكد نسبة المشاركة مدى نجاحها في المهام الملقاة على عاتقها، ممثلة أساسا في استعادة ثقة الناخبين وإقناعهم ببرامجها، إن وجدت، لاسيما وأن العديد منها راهنت على وجوه جديدة لصنع الفارق. فيما فضلت التشكيلات الكبرى ترشيح النواب السابقين لعهدة جديدة، على غرار حزب العمال والتجمع الوطني الديمقراطي، فيما فضل بعض النواب السابقين عدم الترشح مجددا تكريسا لمبدإ التداول.
علاوة على ذلك، فإن الانتخابات في غاية الأهمية، لأنها فرصة سانحة للشعب الجزائري لتكريس التغيير، من خلال اختيار نواب بالغرفة البرلمانية السفلى، يمثلونهم وينقلون انشغالاتهم، طيلة الفترة التشريعية الجديدة، لاسيما وأن استحقاقات 2017 تشهد مشاركة مكثفة لأحزاب المعارضة، بما في ذلك تلك التي قاطعت طبعات سابقة، إيمانا منها بأهمية الحصول على تمثيل برلماني، إذا ما نجحت في افتكاك ثقة الناخبين.
ويبقى الأمر الأكيد، أن أهم مكسب للجزائر اليوم، إجراء الانتخابات منذ إقرار التعددية في المواقيت المحددة، وهو مكسب لا يستهان به، لأنه يؤكد أن الجزائر تتقدم بخطوات ثابتة في استكمال بناء الصرح الديمقراطي.