ارتبطت الصحافة العمومية بالدولة الجزائرية وساهمت في إرساء أسس هذه الدولة الفتية التي كانت في حاجة إلى إعلام عمومي فاعل ومؤثر يتولى إذاعة الخطاب الرسمي بداية من نهجها الثوري إلى خيارها الاجتماعي الذي أملته مبادئ ثورة أول نوفمبر المجيدة ومنذ ذاك لم يحد الإعلام العمومي عن أداء دوره في خدمة المجتمع وترسيخ ثقافة الدولة والمساهمة في تحقيق أهدافها وتوجهاتها إلى درجة أن البعض أصبح يتهمه بالتحول إلى مجرد بوق للدعاية الرسمية وهذا ما أضر كثيرا بسمعته وجعله يفقد الرواج خاصة مع الانفتاح السياسي والإعلامي الذي عرفته الجزائر بداية التسعينيات وفقا لدستور 1989 الذي فتح المجال أمام ميلاد مشهد إعلامي تعددي كان من نتائجه المباشرة تعرض الإعلام العمومي لنزيف مادي ومعنوي حاد، فالكم الهائل من الصحف التي ظهرت نتيجة هذا الانفتاح كانت تحتاج إلى جيوش من الصحفيين فتوجه اليها المئات قادمين من قاعات تحرير الجرائد العمومية وباللغتين العربية والفرنسية والنتيجة كانت استنزاف تلك الصحف وفقدانها لمقرؤيتها بالتدريج لصالح صحافة خاصة ناشئة تشكلت من صحفيين حالمين وطموحين تحركهم حوافز أكثر وفرص أكبر بكثير من تلك المتوفرة في القطاع العام ويكفي أن أغلبيتهم لم يكونوا مجرد أجراء يتقاضون مرتبات شهرية ولكن مساهمين حقيقيين، ما فتح الطريق لظهور مؤسسات إعلامية خاصة بل إمبراطوريات، في حين وجدت الجرائد العمومية نفسها منهكة وتائهة مجردة من أي قدرة على المنافسة ولم تتخل رغم ذلك عن أداء رسالتها الإعلامية والتمسك بخطها الافتتاحي.
إنه من المجحف اتهام الصحافة العمومية بالتقصير والتقاعس في أداء وظيفتها في حين لم توضع أية إستراتيجية واضحة للحفاظ عليها ومن ثمة تطويرها لتتكيف مع معطى فتح قطاع الإعلام على مصراعيه وما يسقط هذه التهمة عن الإعلام العمومي كذلك هو أن الصحفيين الذين صنعوا مجد الصحافة الخاصة الجزائرية كانوا كلهم في وسائل إعلام عمومية !.
إن بعث وتطوير إعلام عمومي وطني فعال يجب أن يكون ضمن أولويات الدولة الجزائرية والبداية تكون بتوفير الظروف المادية والبشرية لانتعاش هذا الأخير وبهذا فقط نتجنب تكرار التجربة الصعبة التي مرت بها الصحافة العمومية خلال الانفتاح الإعلامي المباغت بداية التسعينات مع الانتقال إلى صحافة عمومية إلكترونية يمكنها أن تحدث الفارق خاصة وأننا نعيش عصر عولمة التهديدات.