المتاجرة بملف إنساني

جمال أوكيلي
29 أفريل 2017

محاولة المغرب اليائسة إيهام الرأي العام الدولي بوجود رعايا سوريين عالقين بالحدود مع الجزائر، انكشفت نواياها السيئة بمجرد أن أصدرت وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الدولي بيانا مفصلا حول حيثيات «الحادثة» المزعومة، التي أراد أصحابها إلصاق تهم باطلة ومفبركة لإلحاق الضرر ببلادنا، كما اعتاد عليه هؤلاء.
كان الرد مفحما ومقنعا في آنّ واحد كرفض واضح لسعي البعض المتاجرة بملف إنساني لا يستحق كل ذلك التهويل، نظرا لما يحمله من قيم نبيلة، بل إن الأمر يتطلب التكفل به بهدوء وحكمة، بعيدا عن كل هذا التسييس المنبوذ لأغراض دنيئة.
للأسف، تحركت أوساط سياسية وإعلامية للترويج للكذب والتطاول على الآخر، من خلال اجترار معطيات عارية من كل صحة، عبر وسائلها الدعائية، مستندة إلى عناصر من معلومات مغلوطة... والأدهى والأمر، دخلت في عرض تفاصيل غريبة الإطار في كيفية وصول هؤلاء إلى تلك المنطقة التي صفتها «بالوعرة».
بيان الخارجية والتعاون الدولي رفض رفضا قاطعا هذه الاتهامات، كونها غير مؤسسة بتاتا، ولا تمت بصلة لأخلاق وتقاليد الكرم والضيافة للجزائر، متوجها مباشرة إلى الآخر قصد وضعه في الصورة الحقيقية لما وقع... عندما لاحظت السلطات المختصة في بني ونيف ببشار يوم ١٩ أفريل الماضي، على الساعة ٣٫٥٥ صباحا، محاولة طرد نحو التراب الجزائري لـ١٣ شخصا، بينهم نساء وأطفال قادمون من التراب المغربي، وفي نفس اليوم على الساعة ٥٫٣٠ نقل ٣٩ شخصا آخر، من طرف موكب رسمي للسلطات المغربية قصد إدخالهم بطريقة غير شرعية إلى التراب الجزائري.
ونبّه البيان، أن هذه الأعمال أحادية الطرف، تضاف بشكل متكرر لأحداث غير قانونية مماثلة تمس رعايا بلدان جنوب الصحراء، الذين يتعرضون غالبا إلى عمليات نقل غير قانونية نحو التراب الجزائري.
ولرفع كل لبس عن هذا الملف الإنساني، ورفض التلاعب به من أجل حسابات ضيقة، فإن الجزائر وفرت لـ٤٠ ألف من الرعايا السوريين تسهيلات في الإقامة والتمدرس والعلاج والسكن والتجارة، هذا ما ينطبق على رعايا بلدان جارة ومن القارة الإفريقية.
هذه الرسالة القوية الصادرة عن الجزائر، ضعت حدّا سريعا لهذه المهزلة، وأعادت كل من يقف وراءها إلى حجمه الحقيقي، على أن يراجع حساباته من الآن فصاعدا إذا أراد أن يمتهن فنّ المناورة... حاليا يجد المغرب نفسه يتخبط في ورطة لا مثيل لها، عندما أقدم على قرار تسوية وضعية الأجانب بأرضه، الذين قدموا من كل حدب وصوب، تمهيدا لانتقالهم إلى أوروبا وهذا ما يؤكد محاولة منح ٤٠٠ مهاجر حاولوا اقتحام حدود سبتة وهذه للمرة الثانية على التوالي وفي زمن قياسي، ناهيك عما خلفه ذلك الإجراء من تداعيات سلبية على التكفل بهؤلاء.. وهكذا اعترفت الدوائر المغربية بتسوية وضعية ١٠٨٩ طلب لجوء سوري حتى جانفي ٠٢٠١٧ وهذا ما يؤكد تلك النسبة الضعيفة جدا، هذا من جهة. ومن جهة ثانية، اعتماد صيغة الإنتقائية.. وهذا ما يتنافى مع كل الإدعاءات الرامية إلى استعمال هذا الملف كورقة للتلويح بما لدى جهات مهتمة أو متابعة لمسار استقرار المهاجرين... هنا وهناك... لكن في نهاية المطاف تلاشت كل هذه الألاعيب غير واضحة المعالم في بناء السياسات الخارجية.
وحاليا، فإن السلطات المغربية إحتارت في الطريقة التي تسلكها مع هؤلاء المهاجرين سوى اعتماد معهم أساليب قسرية مخالفة لأبسط حقوق الإنسان المتعارف عليها وهذا بإجبارهم على دخول أراضي الغير بعد أن ضاقت بهم ذرعا... وهي التي كانت تدعي التكفل بهم إداريا ولا ندري لماذا تغير موقفها بهذه السرعة وتكون وجهتهم حدود البلد المجاور، بدلا من إعادتهم إلى أوطانهم الأصلية، وهذه المفارقة تحمل نوايا خطيرة تنم عن سياسة خلط الأوراق في المنطقة... وهذا ما يعمل عليه المغرب منذ فترة قصد استمالة العواصم الإفريقية خاصة، وإعطاء الانطباع بأنه على دراية بمصالح الآخرين... لكن مع مرور الوقت، بينت محدودية هذه السياسة العرجاء على أنها ظرفية، أضفى ديكورا من الألوان المزيفة سقطت بمجرد أولى زخات المطر.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19634

العدد 19634

الأربعاء 27 نوفمبر 2024
العدد 19633

العدد 19633

الثلاثاء 26 نوفمبر 2024
العدد 19632

العدد 19632

الإثنين 25 نوفمبر 2024
العدد 19631

العدد 19631

الأحد 24 نوفمبر 2024