أطلق محافظ بنك الجزائر محمد لوكال مؤشّرات جديدة لأول مرة، تارة محذّرة وتارة أخرى مطمأنة، حيث من شأنها أن تساعد على تحديد رؤية أقرب للدقة بما فيها تجلية وضعية عملة الدينار، الذي أخذ حيّزا من الاهتمام، وكان الانشغال الكبير منصب عليه من طرف المتعاملين الاقتصاديين على وجه الخصوص، خاصة بعد أن عرف الدولار تماسكا قويا. وبالموازاة مع ذلك شهد الدينار انزلاقا أخاف الكثيرين وأثار الكثير من التساؤول حول مستقبل قيمته خاصة منذ انهيار أسعار البترول، لكن لعل التفسيرات التي قدّمها البنك المركزي وكذا شروحاته المطمئنة، تخفّف من المخاوف وتطرح العديد من الاحتمالات يتصدّرها امكانية العودة التدريجية لقيمة الدينار بالرغم من أن أسعار النفط لن تعاود الصعود إلى مستويات الـ 100 دولار للبرميل الواحد، لكنه سوف يعتمد كثيرا على ما سوف يفضي إليه النموذج الاقتصادي من أجل إنعاش وتيرة النمو، وكذا العملة الوطنية التي حقّقت انتعاشا طفيفا منذ شهر جوان الفارط، وتواصل تماسكها سواء أمام عملة الدولار وكذا الأورو.
تدخل الجزائر في عام 2017 مرحلة جديدة في ظل هذا المنعرج الحاسم، الذي طبعته تقلبات السوق النفطية وتذبذبات الأسعار ومفاجآت العرض والطلب، وإلى جانب حسمها في مختلف الخيارات الطاقوية والاقتصادية، وبعد أن عبدت الطريق لخوض مسار تنموي بوتيرة أعلى من خلال نموذج اقتصادي نموذجي للنمو، دون شك توجد في أمس الحاجة إليه، كونه سوف يغير من الطابع الاقتصادي الذي يوجد في قبضة مداخل البترول وينتقل بالبلاد إلى خوض تجربة اقتصاد يعتمد على ثروات مختلف القطاعات المنتجة، ويعزّز جميع الحظوظ الإيجابية في ظل محافظة الجزائر على مستوى مقبول من احتياطي الصرف وتسيير حذر لهذه الموارد، بشكل ينمّيها ويحافظ عليها.
وبالالتزام الحذر في التسيير والاستعمال الأمثل للنموذج الاقتصادي، يرتقب أن يتواصل هذا النموذج في مرافقة بناء الاقتصاد الوطني على ثلاث مراحل وعلى المدى البعيد كما يتردّد، حيث يعيش الجزائريون مرحلة الإقلاع إلى غاية 2019، وينتظر بعدها المرور عبر المرحلة الانتقالية ما بين الفترة الممتدة من 2020 إلى غاية 2025، ومن ثم التوجه من أجل بلوغ مرحلة الاستقرار والموائمة في آفاق الفترة الممتدة من 2025 و2030، أي على المدى البعيد.
وأكيد أنّ الجزائريّين يتطلّعون لقطف ثمار هذا النموذج الذي سطّر برؤية بعيدة المدى واستشرافية ثاقبة، ولا يكفي ذلك كون سر نجاحه يكمن في ضرورة متابعة تجسيده على أرض الواقع، أي مدى التحكم في الكلفة الاستثمارية وكذا الاندماج المحلي مع احترام آجال الانجاز والإنتاج، ومن بعد ذلك يمكن الحديث عن توسيع آثاره الإيجابية على المدى البعيد لتحقيق الوثبة التي تحرر الجزائر وتدخل اقتصادها مرحلة جديدة من الحركية والأداء الناجع.
وبقاء سقف احتياطي الصرف في مستوى آمن من شأنه أن يجعل سير الإصلاح وجهود النمو تتواصل بثقة في ظل أهمية التقييم المتواصل لكل ما تحقّق وما لم يتسنّى تجسيده مع تشريح عوامل أي بطء يسجل، كون النموذج يتأسس على نجاعة أداء العديد من القطاعات وليس قطاع واحد منفرد، مثل الصناعة والفلاحة والسياحة وحتى مستقبل الطاقات المتجددة ينتظر منه الكثير وأكثر من أي وقت مضى. وعلى ضوء التدابير المتخذة والحذر في مواجهة التغيرات المستمرة للأسواق والبورصات وما يتطلبه اقتصادنا وآليات التفعيل من عصرنة، يؤخذ بعين الاعتبار الانفتاح الفطن ومواكبة المستجدات للابتعاد عن التأخر، وكذا لاغتنام الفرص التي مازالت متوفرة بالنسبة للجزائر من أجل إنجاح مساعي تعبيد طريق نحو بلوغ أهداف النمو.
وفي ظل الضوء الأخضر الممنوح يتوقّع أن تخوض البنوك تجربة من الأداء الفعّال في ظل التزام بنك الجزائر بتشجيعها لترقية خدماتها سواء من خلال التواجد في أبعد نقطة وبهدف الانتشار، وكذا تطوير عملياتها الالكترونية وتكثيف المحافظ المصرفية باستقطاب أكبر عدد من الزبائن، في ظل تطلّع المصدّرين من أجل انتشار وكالات البنوك الوطنية خارج الوطن سواء في السوق الإفريقية أو نظيرتها الأوروبية..إذا تتمتّع الجزائر برغم الظرف الاقتصادي الحالي الصعب على العديد من البلدان خاصة النفطية باحتياطي صرف آمن، وتحضّر بعناية لإجراءات وقائية لتقلّبات المرحلة المقبلة.