كان منتظرا تسجيل تراجع في احتياطي الصرف بالعملة الصعبة ليصل 109 ملايير دولار بنهاية فيفري الماضي، وكان بالإمكان أن يتفاقم الأمر لولا تلك التدابير التي أقرّتها الدولة للحد من الاستيراد وضبط التجارة الخارجية وفقا لتغير المؤشّرات المالية التي ينبغي أن تخضع للمتابعة الحثيثة والمراقبة المستمرة.
وتشير التوقعات إلى أنّ الاتجاه التنازلي يستمر خلال السنة قبل أن يستعيد توازنه مع السداسي الثاني من السنة بتوقّع عودة انتعاش الاحتياطي شريطة مواصلة انتهاج سياسة ترشيد النفقات والتسيير الحذر للموارد، مع الحرص على أن تساهم المنظومة الاقتصادية الشاملة في توفير الحد الأدنى على الأقل من الفارق المالي الذي تخسره البلاد بسبب أزمة أسعار المحروقات.
ولذلك ينبغي أن تتحوّل السنة الحالية إلى موعد حقيقي للمؤسسة الجزائرية في كشف مدى قدراتها في التعامل مع الأسواق الخارجية في ظل مناخ استثماري ما فتئ يتحسّن باستمرار، ومحيط إداري ومالي محفّز يستفيد من خيارات أقرّتها الجزائر لفائدة الإنتاج المحلي ومرافقته، وفتح الأفق واسعا أمامه باتجاه إفريقيا وباقي الأسواق الإقليمية.
ويمهّد النّموذج الاقتصادي للنمو الطّريق أمام المستثمر والمؤسسة الإنتاجية للانخراط بثقة، وفي ظل وضوح للمؤشرات في المديين القريب والمتوسط ضمن معركة الاستثمار خارج المحروقات، وبالذات في قطاعات لا تنتظر سوى إرادة قوية من المتعاملين ورجال المال والأعمال الاحترافيّين، الذين يطالبهم الظّرف بما فيه من صعوبات وتحديات بإعادة صياغة أسلوب تعاملهم مع السوق الجزائرية من خلال وضع احتياطي الصرف كأولوية تتطلّب مساهمة الجميع في حمايته بل في تنميته مهما كان التصدير متواضعا.
وقد تكون أولى بدايات التحول في الذهنية وترقية السلوك الاقتصادي أن يحرص المتعامل مهما كان على ترشيد الإنفاق باتجاه الخارج بالحد من المهمات وتقليص الرحلات، في وقت أدرك فيه بنك الجزائر مدى أهمية تحصين احتياطي الصرف بما في ذلك عدم الرفع من المنحة السياحية. وتوفّر تكنولوجيات الاتصال الجديدة مساحة واسعة للتبادل عن بعد واقتصاد الإمكانيات المالية، بل والعمل على جعل الشريك الأجنبي يتنقّل إلى الجزائر بترويج نوعي لمؤشّرات السوق والفرص الثّمينة التي تمنحها.
وبالفعل يشكّل التّصدير من خلال اقتصاد استثماري منتج الأداة الملموسة لمساهمة المؤسسات الجزائرية في إنجاز النمو الحقيقي، ومن ثمّة تأكيد أحقيتها بكل ما تمّ توفيره لها من إنهاء أزمة العقار، ورصد للتمويلات القوية وتحفيزات جبائية وجمركية وإعفاءات ضريبية لا توجد في أسواق مماثلة. وطبيعي أنّ رفع مثل هذا التحدي لا يتعلّق فقط بالدولة بقدر ما يعني مباشرة المتعامل بغض النظر عن طابعه القانوني قصد تعزيز إمكانية الخروج من أزمة الصدمة المالية الخارجية بأقل ضرر ممكن والتحضير لما بعدها.
إنّ الموارد المالية بالعملة الصّعبة مسألة حيوية ومصيرية لا تخص المتعامل أو البنك إنما ترتبط مباشرة بالأمن المالي للبلاد التي تتوفّر مع ذلك على قدرات معتبرة لتدارك العجز المسجّل، شريطة أن يتّجه كافة الشّركاء إلى نفس الهدف وبنفس الإرادة والإخلاص.