الجرح السّوري ينزف والوجع يشتد، والعالم الذي يذرف ظاهريا دموع التّماسيح على ما يتكبّده أبناء الشّام من ويلات وعذاب منذ أكثر من ست سنوات، يقوم في الخفاء ومن وراء الستار برشّ الملح على الجرح، والمفارقة المثيرة للألم والحزن معا، أنّ فصول هذه المأساة لتي يرسمها الغرب بإتقان منقطع النظير، تنفّذ بأيدي سورية، وبتمويل من أطراف إقليمية همّها الوحيد اليوم، هو تدمير سوريا وليس الإطاحة بنظامها، لأنّها لو كانت تريد فعلا إسقاطه كما تدّعي لما استعصى عليها الأمر، ولنا فيما حصل في العراق وليبيا ومصر واليمن وتونس خير مثال.
عندما انطلقت مفاوضات «جنيف 4» نهاية فيفري الماضي، والتقى لأول مرّة فرقاء الأزمة وجها لوجه، استبشرنا خيرا، واعتقدنا بأنّ تنازلا من هذا الطرف أو الآخر يمكنه أن يضع قاطرة السّلام على السكّة وينقذ سوريا من سكين التّقسيم والتّفتيت التي تتربّص بها، لكن للأسف الشّديد، نسف السّلاح الكيمياوي ثم صواريخ «توماهوك» بارقة الأمل في إيجاد أرضية تفاهم تنهي المأساة، وعادت الأزمة السّورية إلى المربّع الأول حيث التّقتيل والتّدمير الذّاتي، الذي يدفع ثمنه الأبرياء ممّن لم يسعفهم الحظ في الهجرة والهروب من جحيم الحرب.
الأكيد أنّ الضّربات الصّاروخية الأمريكية التي انطلقت بقرار أحادي من «ترامب» ودون المرور عبر مجلس الأمن الدولي، لن تحل الأزمة السّورية التي دخلت قبل شهر عامها السّابع، بل على العكس تماما حيث أدخلتها في متاهة أخرى عنوانها المزيد من التّصعيد واستعراض العضلات بين القوى الخارجية، التي حوّلت بلاد الشّام الجريحة إلى ساحة لصراع النّفوذ والهيمنة على المنطقة وثرواتها.
لا جدال في كون ما يجري في سوريا هو أكثر من مجرد الرّغبة في الاطاحة بالأسد،إنّها حرب بالوكالة تخوضها عدّة جهات، كلّ لمصلحتها الخاصة، ووقودها للأسف الشّديد هم أبناء الشّام الذين يجدون أنفسهم بين سندان هذا الطّرف ومطرقة الطرف الآخر ينتظرون الانفراج الذي لا يأتي.
ويبقى من الضّروري الجزم بأنّ صواريخ «ترامب» والخيارات العسكرية لن تحل مطلقا الأزمة السّورية، بل على العكس تماما حيث ستلهب النّيران أكثر، لهذا على اللاّعبين الكبار إذا كانوا يريدون فعلا وقف النّزيف السّوري وإسكات صوت السّلاح، أن يدفعوا باتجاه مفاوضات جدية يذهب إليها الجميع برغبة حقيقية في التّسوية السّلمية، وأن يسهروا على تنفيذ التّغيير السياسي عبر الخيار الشّعبي الحر والنّزيه.
وعلى السّوريّين أن يتوقّفوا عن سفك دماء بعضهم البعض، ويجنحوا إلى السّلام عبر فتح صفحة جديدة عنوانها تغليب المصلحة الوطنية التي توجب التّنازل بشجاعة من كل الأطراف، لصالح الالتقاء حول نقاط توافق وطني تجمع ولا تفرّق، تلم ولا تشتّت، فكفى تقتيلا وهدرا للحياة وتدميرا للبلاد.
ويبقى السّؤال مطروحا هل هنالك فعلا إرادة دولية وداخلية لإنهاء المأساة السّورية؟ أم أنّ فجر سوريا مازال بعيدا؟