لا تبدو الحرب المعلنة على الإرهاب في العالم أجمع ذات فعّالية، فهي إلى الآن لم تنجح في كبح جماح هذه الظّاهرة المخترقة للحدود، التي لم يسلم منها أحد، سواء في بلدان الجنوب المغلوب على أمره، أو في بلاد الغرب الذي كنّا نعتقده في منأى عن مفخّخات وهجمات الدّمويّين لما يملكه من إمكانيات وقائية ووسائل دفاعية خارقة، أصبحت للأسف الشّديد معدومة الجدوى أمام الأساليب الجهنّمية التي يستخدمها سفّاكو الدّماء لقتل الأبرياء.
لقد أعلن العالم أجمع تحالفه لمحاربة الإرهاب مباشرة بعد تفجيرات مانهاتن بأمريكا في خريف ٢٠٠١، ورغم مرور ١٦ سنة، لم تحقّق هذه الحرب أيّ نتائج إيجابية، بل على العكس تماما، حيث ازدادت جغرافية الإرهاب اتّساعا وتمدّدا، وتضاعف أعداد الدّمويّين بعد أن تكثّف تجنيد الشّباب من مختلف أصقاع العالم، وتحوّلت المنظّمات والمجموعات الإرهابية بمختلف أسمائها وأماكن تموقعها إلى جيوش مسلّحة بأفتك الأسلحة، ومزوّدة بأدهى الاستراتيجيات الدّموية، وبات للإرهاب دولته وأمواله وعتاده العسكري الخارق، وأمامه يجد العالم نفسه عاجزا عن المواجهة، طبعا فالحرب على الإرهاب ليست حربا تقليدية يكون العدوّ فيها واضح المعالم. العدو اليوم قد يكون مجرّد مواطن عادي يمتطي شاحنة أو سيارة ويدهس بها جموع الأبرياء المسالمين، أو فتاة اختطفها الدّمويّون ولغّموا جسدها الطري بحزام ناسف ليجبروها على تفجير نفسها في مسجد أو سوق أو حتى مدرسة.
في منطق الإرهاب أصبحت كل الوسائل مستباحة، أجساد ومركبات مفخّخة، قنابل، خطف، نحر وحرق...المهم قتل النّاس وزرع الرّعب ورهن أمن واستقرار وثروات الدول.
والمفارقة، أنّ الظّاهرة الإرهابية التي كانت شبه محصورة في البلدان العربية والمسلمة، باتت اليوم تتحدّى أقوى الدول وأكثرها أمنا واستقرارا، وقد شهدنا في الأيام والأشهر الأخيرة، كيف اهتزّت روسيا والسويد ولندن وألمانيا وبلجيكا وفرنسا وتركيا بهجمات خلّفت المئات من الضّحايا.
وأمام تنامي شوكة الدّمويّين، يجب على العالم أن يتحرّك بجدّ ليراجع حربه على الإرهاب، ويبحث عن أسباب الإخفاق والعوامل التي تجعل الشّبكات والمجموعات الدّموية تتمكّن بسهولة من التّنقل عبر البلدان، وتنجح دون عناء في تجنيد مئات الآلاف من الشباب، ولا تجد صعوبة في التزوّد بالسّلاح، والأكيد أنّ هذه المراجعة ستقود إلى حقيقة نراها بديهية، وهي وجود جهات تدعّم الإرهابيّين بالمال والسّلاح وتسهّل تحرّكاتهم.
كما يجب الالتفات إلى أمر نراه جوهريا لنجاح الحرب على الإرهاب، وهو ضرورة الإسراع بإخماد نيران الحروب التي تحرق الكثير من البلدان العربية، فمناطق التوتر بسوريا والعراق واليمن وليبيا، أصبحت أرضية خصبة لتنامي الخطر الإرهابي، ولصناعة الدّمويّين.
وفي الأخير من المهم التّشديد على ضرورة وقف التّمييز بين ضحايا الإرهاب، حيث يهتز العالم ولا يقعد لما يشنّ الدّمويون اعتداء في دولة غربية، ولا تتحرّك شعرة من أحد لمّا يحصد الإرهاب أرواح الآلاف في بلدان أصبح الموت فيها رغيفا يوميا.
الإرهاب واحد، وخطره يهدّد الجميع، ومواجهته تتطلّب توحّدا لاقتلاعه من جذوره.