تحولت المسافة من شارع الشهداء إلى البريد المركزي في سيارة أجرة إلى أخذ ورد من النقاشات بطلها السائق الستيني وزد على عمره قليلا، والعبد الضعيف من بادر بفتح باب الانتخابات التشريعية، في محاولة لقتل الوقت والانتفاض من حالة الصمت بالمركبة الخالية من مذياع، يبعث عبر أثيره عزف موسيقي مثلا، أو أخبار تتعلق بالاستحقاقات البرلمانية، ومن جهة أخرى محاولة جس النبض والوقوف على مدى استعداد المواطن للمشاركة في هذا الموعد الحاسم من عدمه.
وفي ثاني يوم من عمر الحملة، باعتبار سائق الطاكسي أكبر الهائمين في ربوع الأحياء والطرقات وفي الولايات ويمكنه الترويج للحملات الدعائية مهما كان نوعها عن طريق إقناع الزبائن من مختلف الأعمار والأصناف يوميا وبشكل دوري، كما يمكنه توجيه وإملاء بعض النصائح والتوجيهات حسب مزاجه، لا يتقبلها المواطن ربما على لسان بعض المترشحين في القوائم أو من أفواه ممثلي الأحزاب، أو مثلما هي موجودة في البرامج الانتخابية ولكن بفضل مهنته وتجواله اليومي والدائم وتقديمه لخدمة النقل، وفي علاقة دائمة ومستمرة واجتماعية مع كل الفئات يمكنه ترويض بعض أصوات الفئة الصامتة أو الممتنعة ودفعها إلى التصويت والمشاركة في هذا العرس الانتخابي.
تفاجأت بأن الرجل لم يشارك في أي استحقاق انتخابي منذ أكثر من ثلاثين سنة، لا بالنسبة إليه ولا بالنسبة لأهله، متحججا بحرمانه في حقه من السكن الذي أودع بخصوصه ملفا منذ فترة الثمانينيات وفي كل مرة يعيد تكوين الملف والنتيجة نفسها، مازال يقطن في سكن من غرفتين رفقة ستة أفراد من أسرته.
رأيت أنه يبالغ في حديثه فاستوقفته لأسأله إن كان ينتمي لحزب سياسي مثلا، أو متعاطفا مع آخر، فأدركت أن الأمر لا يعنيه لا من قريب ولا من بعيد، كل ما في الأمر قناعة وصل إليها ليست مرتبطة بمواعيد انتخابية ولا بغيرها، وعبر 25 دقيقة تغيرت نظرة ثلاثة عقود من الزمن.
البرامج الانتخابية ليست بالضرورة القيام بإلصاق اللافتات الكبرى وحشد المناضلين وإقامة الولائم و ضمان أصواتهم غير مؤكد ولكن المهمة الكبرى هي العمل الجواري والتحسيسي وكيفية الوصول إلى هذه الشرائح وإقناعها بالمشاركة والمساهمة في حشد أكبر عدد ممكن من المواطنين، أقصد من الأصوات الناخبة.