تقف الصناعة الجزائرية على عتبة مرحلة تحوّل عميقة للانتقال إلى أفق تكون فيه المؤسسة الصناعية على درجة من القدرة التنافسية في سوق محلية وعالمية، تعرف تغيرات جوهرية ببروز اقتصاد المعرفة الذي يدرج التكنولوجيات الجديدة ومصادر الطاقة المتجددة في ديناميكية الاستثمار القائم على الابتكار والتجديد، وفقا لمعادلة تقليص الأعباء وتحسين الجودة لكسب معركة التسويق. وحتى إن لم يحقق المنتدى الأول للصناعة الجزائرية في الظرف الراهن الصدى المتوقع بالنظر للتحديات والرهانات التي يواجها القطاع بكافة المتدخلين فيه، من مؤسسات عمومية ونظيرتها الخاصة، وحتى تلك القائمة بالشراكة الأجنبية، فإن المبادرة أثمرت على الأقل بتأسيس مجلس علمي للصناعة الجزائرية يضم أبرز الخبراء والباحثين في المجال، ليكون نواة إطلاق تفكير هادئ وشامل لكل الخبرات يقود إلى تسطير آفاق مستقبلية، تنير الطريق للمؤسسة الصناعية، مهما كان حجمها وترافق المتعامل في مواجهة المنافسة محليا وإقليميا. ولعلّ من شأن هذا الفضاء النوعي والمتنوع أن يطلق جسور تواصل عملية بين الجامعات ومراكز البحث والتنمية من جهة والمؤسسات الصناعية في كل الفروع والنشاطات الإنتاجية من جهة أخرى، لتأسيس مرحلة جديدة تبرز فيها الصناعة الجزائرية كمصدر بديل للمحروقات طبقا لورقة الطريق التي سطرها النموذج الاقتصادي الجديد للنمو وتوصيات الثلاثية المنعقدة في دورتها العشرين بعناية، يوم 6 مارس 2016، سعيا لإطلاق ديناميكية استثمارية ذات جدوى تواكب المؤشرات الراهنة في المشهد الاقتصادي المحلي والإقليمي وتندرج ضمن التوّجهات الجديدة التي تفرضها السوق العالمية خاصة في ظل “تأكد” لا مجال فيه للتردد من أن المحروقات ومصادر الطاقة التقليدية آيلة للتراجع وفقدان ثقلها في ضمان النمو على الأمدين المتوسط والبعيد. غير أن المحروقات تبقى في المدى القريب أحد المصادر الثمينة التي يمكن اعتمادها في انجاز التحول الاقتصادي، بحيث يمكن لهذه الثروة (التي تتحول إلى نعمة بارتفاع أسعارها والى نقمة بتراجعها) وبغض النظر عما تثيره من جدل وانعكاس مؤشراتها السلبية، أن تساهم في إرساء اقتصاد إنتاجي ومتنوع يندرج في مسار التحرر من التبعية للمحروقات. ولم يعد بإمكان المؤسسات وأصحاب المشاريع الصناعية خاصة مواصلة العمل على نفس النمط التقليدي، إنما يلزمهم الظرف بالانفتاح على المحيط بكافة عناصره للاستفادة من الخبرات الموجودة قصد كسب معركة الاستثمار والتنافسية التي تستفيد من مناخ جذاب ومحفّز لإطلاق مشاريع تستجيب لمعايير السوق وتخضع لقواعد النجاعة، من خلال مطابقتها للاحتياجات من زاوية محلية وعالمية، بل وتنخرط تماما في الديناميكية الجديدة للشراكة الوطنية والخارجية المبنية على مصالح متوازنة، طبقا لقاعدة رابح- رابح التي تتجسد في السوق الاستثمارية لقطاع الصناعة المختلفة، على مستوى مشاريع، بالأخص منها ورشات برزت إلى السطح وأخرى جارية متحدية تخوف البعض وتردد البعض الآخر لتنتزع لنفسها موقعا في السوق التي تفتح آفاقا واسعة للمؤسسات الجادة. ويمثل الظرف الراهن الموعد الملائم للانطلاقة الجديدة للمؤسسة الصناعية بإشراك الخبرة المحلية في تذليل معوقات السوق العالمية، خاصة وان كل الشروط قائمة من تسوية لمشكلة العقار جاري التخلص منها وتمويل بنكي فعّال ومرافقة للمنتوج الجزائري.