فرضت الجزائر نفسها في المحافل الدولية وصارت محل اهتمام عواصم العالم بفضل سياسة المصالحة الجادة ومبادراتها الدبلوماسية في تسوية النزاعات سلميا، بعيدا عن التهويل العسكري والتلويح بأسلحة الدمار الفتاك ومغامرات صب الزيت على النار التي تؤدي إلى تعقيد الأوضاع المضطربة والأزمات المتأججة وتبعد خيارات التسوية والحلول.
هذه المقاربة الجزائرية، التي أسمعت للمترددين المصرّين على ركب موجات الانزلاقات والمغامرات المحفوفة المخاطر، أعطت ثمارها في علاج تعقيدات إفريقيا الكثيرة وأدارت أزماتها بحنكة واقتدار، باتت محل اهتمام أكبر الدول وأكثرها تعطشا للسلم والأمان بعد حرقة انقسامات والجري وراء المجهول دون حساب للمخاطر وتداعيات أمنية وتهديدات استراتيجية. باتت هذه المقاربة، التي رافعت بلادنا بلا توقف من أجلها من أعلى المنابر، مرجعية باعتبارها الأمل الآتي والسلم المنتظر بعد معاناة الفرقة والتناحر وتدمير الذات.
نجحت المقاربة في مالي التي توصلت إلى اتفاق سلام بعد جولات الحوار أدرك خلاله الفرقاء، تحت رعاية الوساطة الجزائرية، جدوى التخلص من دوي المدافع وعويل اليتامي وأنين الجرحى وآهات المعذبين من التشرد والهروب من جحيم الموت. نجحت المقاربة باحتضانها لجولات الحوار الليبي الليبي واقتناع الفرقاء بأن السلم أقوى الخيارات وأكثرها قيمة واعتبارا لبلد أنهكته الصراعات الداخلية وولدت بين صفوف أبنائه الحقد الأعمى وطرحت أسئلة وأسئلة ماذا بعد؟ وهل هؤلاء الأطراف الذين بذلوا أقوى إرادة في التقتيل الذاتي والدمار والانتحار غير قادرين على توظيف هذه الطاقات الهائلة في وقف العنف والعودة إلى طاولة المفاوضات والبحث عن حل دائم يضمن الوحدة الترابية ويؤمِّن البلاد من تهديدات الآتي.
نجحت المقاربة الجزائرية التي أدارت وساطات في مختلف جهات المعمورة وأنهت أزمات كادت أن تأتي على الأخضر واليابس، إلى درجة صار رجال السياسة يصفون بلادنا بدولة المصالحة، تؤخذ منها تجربتها وتطبق بأيسر حال وأقل كلفة وأقصر مسافة.
هذه التجربة باتت على أفواه القادة تتداولها ألسنة المحللين ويضرب بها المثل كبار الاستراتيجيين.
بالأمس فقط جدد هذا الطرح الرئيس الكونغولي ساسو نغيسو، عقب محاثاته مع رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة، معيدا إلى الأذهان جهود الدبلوماسية الجزائرية في تسوية النزاعات الإفريقية، في صدارتها الملف الليبي الذي اقتنع الفرقاء، بعد فصول المواجهات العسكرية، أنه أقوى الخيارات وأكثرها مخرجا لأزمة حركتها أطراف خارجية موظفة تناقضات الداخل للضرب على وتر الانقسام تلبية لمصالح النفوذ وحسابات صراعات استراتيجية.