مسرحنا... ذاكرة من ذهب

نور الدين لعراجي
26 مارس 2017

جرت العادة أن يكون العيد للفرح وللجديد القادم في حياة الأمم والشعوب، وحافظت كلمة العيد على كل توابلها وملاحقها. وإذا تحدثنا عن الأعياد الثقافية فإننا حتما سنلج هذا الحقل من أبوابه الواسعة بعيدا عن النرجسية ومن منطلق حيادي هدفه الأول هو إضفاء الشرعية الفنية على كل عمل أبداعي جاد.
بما أننا نعيش اليوم أهازيج واحتفالات اليوم العالمي للمسرح، فإنه من واجب القول اعتبار الفن الرابع قد منح عصره الذهبي لما عاش إرهاصات الثورة التحريرية وساهم في وميض الاستقلال، أين كان الركح وسيلة للتعبير والتغيير ورفض الهيمنة والاستغلال، والخروج من نفق العبودية إلى رحابة الحرية والحياة الطلقاء. تلك النورانيات برغم متابعاتها من طرف الإدارة الاستعمارية، إلا أنها استطاعت الصمود في وجهه وشكلت منحنى في تاريخ الثورة التحريرية.
أسماء عديدة وكثيرة تلك التي صنعت مجد المسرح الجزائري في بداية إرهاصاته الأولى وعملت على أن تكون الخشبة وسيلة للتعبير، فلم ينتظر كاتب ياسين وبسطانجي وعبد الرحمان كاكي وبودية وغيرهم... الولوج إلى عالم الكلمة والحركة معا، فاخترقوا كل حدود الممكن، لم تخيفهم موانع النصوص، ولم ترهبهم قيود المسرح، واستمروا في عطاءاتهم رغم الضغوطات وأحيانا المتابعات والمضايقات إلى أن حمل المسرح مشعل الاستقلال مع أول قانون له يحميه في جزائر الاستقلال.
لم تكن النصوص الجزائرية القليلة عقبة أمام توقف مسار الفن الرابع، لكن الديمومة اختزلها هؤلاء من خلال تكوين جيل جديد حمل لواء الكتابة والتمثيل وجيل آخر يقتبس النصوص العالمية لروائيين كبار أمثال فيكتور هيغو وشكسبير وبودلير وتولستوي وكازانوف وغيرهم... لتكون تلك الترجمات الحركية نفسا جديدا لمسرح وضع أولى لبناته على مسار الطريق.
وبدا المسرح في التأسيس لذاته بنكهته المحلية وبطبيعته الجزائرية، حتى بدأت الاستقلالية في النصوص رويدا رويدا، إلى أن جاء جيل يحمل أبا الفنون في عروق دمائه فأبدع على الركح وصنع ملاحم الكبار والعظماء وحمل مجد المسرح الوطني إلى العالمية نصّا، إخراجا وتمثيلا.
لاشك أن أولئك الذين ضمنوا استمرارية الخشبة والركح لم يعد بعضهم بيننا يرزق وليسوا في عالمنا هذا، لكن أعمالهم مازالت تردد كلما مرّ من حولنا عبق المكان، أو كلما لاحت في الأفق مسيرتهم وسريرة أعمالهم، فهم بحق صنعوا مجد هذا العالم الرحب وحتى الذين أسقطتهم رصاصات الإرهاب الأعمى، مازالت خواطرهم تجول بيننا، لن تزول ولن تمحى، لأن صراخهم مازال يدوي الأمكنة وقوافلهم مازالت تسري لأن النباح أسكته حضورهم الأبدي وخلودهم في الذاكرة.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19524

العدد 19524

الإثنين 22 جويلية 2024
العدد 19523

العدد 19523

الأحد 21 جويلية 2024
العدد 19522

العدد 19522

السبت 20 جويلية 2024
العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024