إعادة تشجير المساحات الواسعة في الجزائر استراتيجية قائمة في برامج السّلطات العمومية منذ نيل الإستقلال، ردّا على سياسة الأرض المحروقة للاستعمار، وحرقه للغابات من خلال قصفه للقرى الجزائرية، ناهيك عمّا اقترفه الإرهاب.
ومنذ تلك الفترة من الستّينات والجزائر عاكفة على إعمار البلاد بكل ما تملك من إمكانيات، من بينها إعادة الغطاء النّباتي إلى كافة المناطق التي كانت مسرحا لهذا الإتلاف المتعمّد، وصل اليوم إلى ٤ ملايين هكتار مغروسة.
هذا الرّقم الهام، صنّف الجزائر في صدارة البلدان الأكثر ارتباطا بالتّشجير بعد الصّين، نظرا لما تخصّصه من امكانيات مادية من أجل التكفل بكل الفضاءات التي تحتاج إلى الاخضرار وفق رؤية واضحة ونظرة مضبوطة في هذا المجال.
والجزائر رائدة في هذا الاختصاص، تفطّنت لذلك خلال مرحلة السّبعينات عندما أقامت السد الأخضر، من أقصى البلاد إلى أقصاها، من أجل وقف زحف الرّمال إلى الشّمال، وتجديد الغابة والنّباتات أي نشر واقع بيئي جديد بكل تفاصيله.
هذه التّجربة ما تزال متواصلة إلى غاية يومنا هذا عن طريق رزنامة غرس الأشجار في حملات عديدة، مرتبطة بتواريخ رمزية وطنية، وأخرى تندرج في إطار نشاط دائم تابع لوزارة الفلاحة والتّنمية الرّيفية، وكل المصالح الأخرى التّابعة لها.
والشّعار الذي كان مرفوعا آنذاك، الجزائر تتقدّم التّصحر يتراجع، بمعنى أنّ الرّمال تتوقّف عن السّير باتجاه المناطق العامرة، وهكذا كان هذا الحزام الأخضر سدّا منيعا في إنقاذ التل والأراضي الفلاحية من هذا الغزو.
وتعد هذه السّياسة نموذجا في الجزائر، والمتجوّل في أرجاء الولايات العميقة يلاحظ أنّ الأشجار المغروسة منذ السّبعينات تصد كل العوامل الطّبيعية الأخرى القادمة من شتى الاتجاهات والنّواحي، في شكل شريط أخضر يعد بالنّسبة لتلك المناطق حماية بيئية بأتمّ معنى الكلمة.
وثقافة التّشجير دخلت أو حاضرة بقوّة في نشاطات المؤسّسات الوطنية والجمعيات، وهذا كسلوك حضاري في أعلى صورة يترجم حسّا مدنيا راقيا في التّعامل مع المحيط، وتوفير بيئة مضمونة للسّاكنة سواء في المدن أو القرى.
وهذا الفعل التّطوعي المسؤول، الموجود لدى المواطن استطاع أن يساهم في غرس كل تلك المساحات الهائلة في كل مرّة يطلب منه ذلك، ليكون في مستوى هذا الحدث، ويرتقي بهذا التّقليد إلى مقام ما يعرف عندنا بـ «التويزة».
إعمار بالإخضرار
جمال أوكيلي
20
مارس
2017
شوهد:525 مرة