الأكيد أنّ إلهاب النّيران وإشعال الحروب أبسط وأسهل بكثير من إطفائها، والواقع يبيّن لنا كيف تحوّلت احتجاجات شعبية نهاية 2010 وبداية 2011 في لمح البصر إلى أزمات دولية وحروب مدمّرة حرقت العديد من الدول العربية وعصفت بأمنها ووحدتها، ومع مرور الزمن ازداد تعقّد هذه الأزمات واشتبكت خيوطها، وبات الحل ضائعا يتقاذفه فرقاء الداخل بإيعاز من جهات خارجية تحرّكهم كالدمى لتحقيق أجنداتها الخاصة.
في لمح البصر انتقلت الاحتجاجات والانتفاضات الشعبية تخترق الحدود، وتنتقل من بلد عربيّ إلى آخر. وللأمانة، فإنّ الكثير من مطالب الشّارع المنتفض كانت مشروعة، إلى أن جاء من ركب موجة هذه الحركات الاحتجاجية وانحرف بها نحو الاصطدام الدموي الذي نعيش أطواره المأسوية في سوريا واليمن وليبيا والعراق، وبدرجات أقل خطورة في بلدان شقيقة أخرى.
في ظرف ست سنوات، انتقلت الساحة العربية من حالة الهدوء والسكينة إلى حالة الفوضى والعنف، وتحوّلت إلى بؤرة توتر تتدفّق منها الدّماء والمآسي، ولا يبدو بعد كل هذه المدة، أنّ أحدا ربح هذه المعارك الدونكيشوتية المقزّزة أو سيربحها، بل على العكس، ففي الحروب الأهلية الكلّ خاسر مهما كان حجم النصر الذي يحقّقه ميدانيا، والخسارة هنا لا نقيسها بالكلفة المادية الباهظة فقط، وإنّما بالثمن الذي يدفعه الشعب من أرواحه ووحدته وثقته في بعضه البعض.
فالشّرخ الذي يحدثه الاحتراب الداخلي على الثقة والوحدة الشعبية يكون من الصعب معالجته، وحتى إن تمت مداواته، فهو حتما سيترك نُدوبا لا يمحوها الزّمن.
ستة أعوام من الاقتتال والتدمير الذاتي، ولا يبدو الانفراج قريبا، فرغم كثرة المبادرات وتكاتف الجهود، إلاّ أنّ الأزمات التي تعصف بالدول العربية مازالت مستعصية على الحلّ الذي نراه محصورا مخنوقا بين قبضة أطراف تغذّي صراع الإخوة- الأعداء بالأموال والسّلاح، وبالإرهابيّين المتعطّشين لسفك الدماء، وأيّ تسوية سياسية لا يمكنها أن ترى النّور وتطبق على أرض الواقع إلاّ لما تقبل هذه الأطراف ذلك، وهي كما نرى لا تستعجل الأمر بالمرّة، فسقوط مئات الآلاف من القتلى، وتشرّد ملايين اللاّجئين الهائمين على وجوههم، وتدمير بلدان بأكملها لا يحرّك شعرة من رأسها.
بالتأكيد لو عاد الزّمن إلى الوراء، فإنّ الشّعوب التي هزت الشّوارع في مصر وليبيا وسوريا واليمن في شتاء 2010 وربيع 2011، كانت ستفكّر ألف مرّة قبل أن تخوض «ثورتها» التي ضلّت الطريق ودمّرت الدول، ففي كل الأحوال الوضع الذي انتفضت لأجل تغييره لا يمكن مقارنته بالذي انزلقت إليه.
لكن رغم أنّ نهاية النفق تبدو بعيدة، إلاّ أنّ الأمل قائم في انفراج قريب.