تتعاطى بعض وسائل الإعلام بوعي أو بدونه مع أخبار الجريمة بأسلوب يثير تساؤلات حول مدى إدراك المسؤولية الأخلاقية والمهنية في ميدان حساس ما فتئ يفجر غضب وقلق المجتمع بالنظر لارتفاع معدلات جرائم القانون العام بمختلف أشكالها خاصة الاعتداءات بالسلاح الأبيض المفضية للموت أو لعاهات مستديمة. بالأمس، نشر على صدر جريدتين صورة مكبرة ليد تحميل سكين جزار في موضوع جريمة قتل، وأخرى لطفل يقبع أرضا تحت ضربات شخص يكبره. أليس في هذا تحريض على العنف؟
إن مثل هذا التصرف الذي قد يحقق لأصحابه إيرادات تجارية لما في الصورة من إثارة للفزع وتدفع ناظرها لاقتناء تلك الجريدة فإن له وهذا الخطر تأثير سلبي على نفسية المواطن خاصة الشباب بحيث يقود التقليل من درجة خطورة السكين أو فعل الاعتداء إلى اعتباره تصرفا عاديا. وكان الأفضل وفقا لمعيار القارئ المعتدل أن تنشر صورة أم تبكي ابنها المغدور به أو أبا يرافق ابنه المراهق أو طفله المشاغب. وتتأكد هنا أهمية الدور التربوي للإعلام مهما كانت نزعته التجارية، لارتباطه بالحياة اليومية للمواطن.
تلعب الصورة دورا محوريا في تشكيل الرأي وقد تقلب المقال رأسا على عقب بحيث بدل، أن يشعر القارئ بخطورة تلك التصرفات ومساوئ أفعال مصحوبة بعنف، قد يرى آخرون في ذلك أمرا عاديا وعندها لا يحقق الإعلام الرسالة المطلوبة منه في مجتمع يعيش تحولات على أكثر من صعيد. لذلك تبرز أهمية بعث سلطة الضبط للصحافة المكتوبة لحماية المهنة من أن تنزلق إلى المحظور في سوق مفتوحة وسريعة الحركة تزيدها ديناميكية التكنولوجيات الجديدة اندفاعا وتورطا في ضرب عمق المجتمع بدون وعي.
بالطبع، تحرك الإثارة الإعلامية سواء بالكتابة أو بالصورة السوق ويكسب من ورائها تجار الصحافة الصفراء خاصة، لكن ليس على حساب استقرار نفسية المجتمع وانسجامه وقيمه. و لا ينبغي أن يتحجج بعض مرضى الربح السهل بانكماش سوق الإشهار فتتحول الصحافة بذلك إلى مذبح للقيم والأخلاق وتدني الاحترافية، إنما هناك مسؤولية كبرى ينبغي أن تنعكس على الممارسة اليومية من خلال تقدير الانعكاسات والتداعيات التي تنجر عن كلمة أو صورة.