إعادة تنظيم مهنة العشّابين وفق مقاييس صارمة، هو الانشغال الجوهري الذي أدّى بمصالح ولاية الجزائر إلى غلق أعداد هائلة من المحلاّت بالعاصمة بعد معاينة أثبتت أنّ المعنيّين بهذا القرار لا يحوزون على اعتمادات تؤهّلهم بأن يمارسوا هذا العمل الحسّاس، الذي يتطلّب مستوى معيّنا من التّعليم للتحكم على الأقل في أنواع وتركيبة الأعشاب المعروضة للبيع.
وعلى هؤلاء العشّابين إدراك حقيقة مفادها أنّ المهنة التي يمارسونها ليست تجارة تخضع لمنطق الرّبح كما هو معمول به حاليا، وإنما هي خدمة مكمّلة في إطار ما يسمّى بالطب البديل، لذلك فإنّ مواصلة السّير على هذا المنوال يستدعي الذّهاب إلى خيارات أخرى منها المراقبة الدّورية لهذا النّشاط الذي يشهد توافدا واسعا للناس عليه.
وإن كانت المقولة المعروفة تنبني على مفهوم أنّ العشبة إن لم تنفع لا تضر، هذا لا يفسح المجال لتداعيات أخرى، ونعني بذلك ترك الحابل على الغارب،
والباب مفتوح على مصراعيه أمام كل ما قد يعرض الآخر إلى مشاكل هو في غنى عنها عبارة عن مضاعفات خاصة أصحاب الأمراض المزمنة، الذين هم مطالبون باحترام نظام أكل معدّ لهم.
وللأسف فإنّ الكثير ممّن تحوّلوا بقدرة قادر إلى تجار وجدوا ضالتهم في التّعامل مع الأعشاب دون أي تكوين يذكر ما عدا هيمنة عقلية «المدخول» بأسعار خيالية، وكل من لا يخضع إلى الشّروط المحدّدة فإنّ محلّه يغلق فورا، والكثير منها مغلقة في الوقت الراهن بسبب انعدام تلك المقاييس المطلوبة في القائمين على البيع.
وضمن هذا التوجه التّنظيمي البحت، ستشرع الاتحادية الوطنية لمحترفي النّباتات والمواد الطّبيعية في إحصاء دقيق لعدد العشّابين على المستوى الوطني، وهذا من خلال معرفة مستوى تعليمهم وعلاقتهم المهنية بالأعشاب، وتلي المرحلة الثانية إدراجهم في فضاء تكويني يتعلّق دائما باختصاصهم، وهذا كلّه من أجل منحهم شهادات لممارسة نشاطهم، والمرور عبر آليات إدارية أخرى مخوّل لها بمنح الاعتماد كذلك بالتّعاون مع قطاعات ذات الصّلة الفلاحة، الصّحة، التّجارة.
كما أنّ هذه النّظرة الجديدة ستكون بمثابة الانطلاقة نحو إعادة تنظيم هذه المهنة على قواعد مخالفة لما سبق، وهذا ليس فقط بالجزائر العاصمة التي شهدت عملية غلق المحلات، في حين أنّ الولايات الأخرى لم يشملها مثل هذا الإجراء وهؤلاء يعملون عاديا.
لذلك، فإنّ السّؤال الذي يتبادر إلى ذهن الكثير ما مدى احترام هؤلاء التجار لمبدأ العقلنة في استعمال الأعشاب، حتى يتم تفادي كل ما من شأنه أن يؤدّي الأمر إلى ما لا يحمد عقباه؟ وهذه الاتحادية التي تأسّست يوم ٧ فيفري المنصرم تحدّثت عن ترشيد النّشاط في النّباتات، وهذا من خلال مكافحة أساليب النّصب واحتيال المشعوذين.
وهذا في حدّ ذاته إشارة واضحة إلى تطهير هذا القطاع بإبعاد كل الدخلاء عليه، وإضفاء طابع الإحترافية وإعادته إلى أهله الذين يعرفونه جيّدا كي يصل إلى مرحلة استكمال ما هو دواء، وهذا يتطلّب عملا منظّما ومنسّقا في كل الحلقات.