لا يزال المشهد الثقافي يصنع استثناءاته وتميزه، ولا تكاد فعالية تنتهي وتدلي ستارها إلا وهناك فعالية أخرى تسطع من جديد في حلة جديدة، وفي حيز مكاني يصنع أوجه التنوع في الجزائر الكبيرة وعبر محافل تقام في الجزائر العميقة، لا ريب أن مهرجان الشعر البليدي في طبعته الدولية هذه المرة يختزل مسافات الأوطان ويقرّب هذه المسافات بين شعوب المنطقة العربية، حتى يكون لصوت كتّابها ومثقفيها جانب من الحضور البيـّن في سماء الخلود ... البليدة وهي تضع لبنات هذا المربد الشعري..في ثاني خطوة وتجربة حاولت بقدر الامكان وفي ظل السياسة الثقافية التي تصّر عليها الوصاية ان تخلق الفعل الثقافي رغم قصر التجربة، إلا أن الارادة الفذة والنوايا السليمة والصادقة لن تكون وبالا في وجه مريديها ومحبيها، بل تمنحهما العزيمة لمواصلة الفعل الثقافي ولو بخطوات محتشمة الى ان يترسّخ البناء الفعلي لهذه الفعاليات.
البليدة وهي تحتضن فوارس الشعر والكلم الموزون، مازالت مخلدة في ذاكرة الامة كعاصمة للورود والأزهار، ومن كانت وجهته العطور، فثمة حتما ستكون وجهته قبلة المشتهى.
ليس بعيد عن البليدة تنهض الباهية وهران عن بكرة أبيها لتؤسس للثقافة الشعبية من خلال حكايات «القوال» في طبعة مغاربية تعدّ لأول مرّة، وكتجربة تأتي لترقية المطالعة مع القارئ الصغير ومنحك بطاقة التواصل مع الكتاب كخير جليس، سوف لن ينتهي الحلم على ضفاف المدينة، بل إن الحكواتي سيتنقل الى الأسر والأحياء يروي حكايات ألف ليلة وليلة، يستحضر ماضي الامجاد ويعدد مناقبهم ويتغلّغل الى أوطانهم، كيف لا والمجتمعات الكبرى بنَت ذاتها من ثقافتها الشعبية.
أما في إليزي فالكتاب أيضا له حقه من الحضور بين أعماق الصحراء ..يرّسخ القراءة ويحفّز المقروئية. وتبقى باقي الولايات تنفض غبار الركود عن ضفافها لتلتحق بالركب في ظروف أبهى وفصول تنذر حقا أن الربيع آت لن يتأخر.