أدى المرحوم محمد صغير باباس رئيس المجلس الإقتصادي والإجتماعي المهام المكلف بها على أكمل وجه وبكفاءة عالية نظير ما كان يتمتع به من نظرة ثاقبة ومنهجية دقيقة في إدارة الملفات المسندة إلى الفضاء التفكيري الذي يشرف عليه منذ توليه رئاسة هذا المجلس، عمل جاهدا على تغيير طريقة عمله وهذا بمنحه تلك القوة الإستشارية التي وردت في النصوص التأسيسية بمعنى أن يكون شريكا مباشرا في تفاعل السياسات العمومية دون أي حاجز يذكر انطلاقا من إدراكه العميق لمفهوم الإخطار الذي حوله الفقيد إلى قوة اقتراح تجاه الجهات التي يتعامل معها مباشرة.. لذلك أضفى على كل المسائل المدروسة طابع المرجعية والتقارير الدورية تشهد على ذلك.
والشغل الشاغل لهذا الرجل هو مرافقة البرامج التنموية في الجزائر.. بإعطائها تلك الأبعاد العلمية المبنية على المؤشرات والمقاييس المعمول بها دوليا، مؤكدا في كل مرة على ضرورة أن نصل إلى فرض المؤشرات الجزائرية في التنمية البشرية وهذا بالتعاون مع خبراء لهم باع طويل خاصة مع شخصية دوبرنيس الذي له علاقة إستثنائية مع الجزائر.. في هذا الإختصاص زيادة على روابط مهنية أخرى لوالده في بلدنا.
وجاءت تلك التقارير النوعية حول مسار التنمية البشرية في الجزائر ثرية من ناحية المضمون وكذلك في تقاربها ومطابقتها لنظيرتها العالمية وبهذا أدخل باباس نشاط المجلس الإقتصادي والإجتماعي في مقاربة عمل حديثة جدا قاعدتها الإعتماد على المعلومة لا أكثر ولا أقل بعيدا عن القراءات السياسوية.
وهذه هي رؤية باباس في كيفية تسيير الشأن العام أي إدراج المنظومة الإقتصادية في الحركية الدولية وهي الأرضية التي حرص على إعدادها ليكون هناك منطلق للعمل بخصوص الآفاق، خاصة ما تعلق بتنويع الإقتصاد واقتحام المنافسة والحضور في الأسواق الخارجية، كل هذا مع متابعة لمردودية التعليم والتكوين.
ولابد من الإشارة هنا أن البيداغوجية التي اتبعها باباس كان لها الأثر البليغ في الأوساط المتعاملة معه نظرا لما قدمه من ثراء لسيرورة الإقتصاد الوطني والتنمية البشرية في الجزائر، هذا ما أدى إلى إدراج المجلس الإقتصادي والإجتماعي ضمن الهيئات الإستشارية في الدستور الجديد.. ليكون إلى جانب المؤسسات الأخرى القادرة على تقديم الإضافة المطلوبة منها.
وكل النقاشات والحوارات التي كان المجلس الإقتصادي والإجتماعي مسرحا لها.. أدارها باباس بكل حكمة وإقتدار إقتناعه منه بأن الأفكار المطروحة تصدر كلها في منحى خدمة الجزائر.. خاصة عندما كلف بالبحث في الجماعات المحلية، والتنقلات الماراطونية إلى كل الولايات للاستماع إلى المعنيين بهذا النشاط في الجزائر العميقة من جمعيات وغيرها انتهت أو اختتمت بلقاء تقييمي بنادي الصنوبر توج بتقرير مفصل.
وميزة الهدوء التي يتمتع بها باباس وقدرته الخارقة في الاستماع إلى الآخر جلبت له كل التقدير والإحترام، في تسيير المجلس بالتوجهات القائمة على النتيجة المتوخاة من خلال الملفات المقترحة في دورات هذه الهيئة الإستشارية التي ترك لها خارطة طريق في عملها مستقبلا وهذا بفضل سنوات طويلة من العمل الجاد.