يحلّ هذا الأسبوع موعدان بارزان في مسيرة الجزائر هما الذكرى الـ 61 لتأسيس الاتحاد العام للعمال الجزائريين في خضم الثورة التحريرية المجيدة والذكرى الـ 46 لتأميم المحروقات بعد أقل من عشر سنوات عن استرجاع السيادة الوطنية. وعلاوة على الثقل التاريخي للمناسبتين فإن عالم الشغل خاصة في القطاعات الحيوية المختلفة مطالب اليوم لاستخلاص العبر من أجل تجديد النفس في مواجهة الظرف الراهن المتميز بجملة من التحديات لا يمكن رفعها إلا بإحياء تلك الشعلة التي أنارت الطريق لأجيال بكاملها، ولا تزال تشير إلى المعالم المستقبلية. لقد امتزج العمل النقابي منذ اعتماده ضمن الحركة الوطنية للنضال من أجل استرجاع السيادة الوطنية وإنهاء حقبة طويلة من الاحتلال بالتوجه المصيري للجزائر، فكان مسارا عزّز مكاسب الثورة التحريرية في المجالين العسكري والسياسي، وارتبط اسم مؤسس الاتحاد العام للعمال الجزائريين عيسات إيدير بذلك المنعرج الذي رسمه في 24 فبراير 195 بإعلان ميلاد هذا التنظيم النقابي الطلائعي. واستكملت رسالته وفقا للتوجه الاستراتيجي الذي حدده بيان أول نوفمبر بانتقال القيادة الوطنية- التي تولت مقاليد الدولة، المنبعثة من رحم كفاح طويل لم يتوقف أبدا منذ أن وطأ الاحتلال الفرنسي الغاشم أرض الجزائر وشرع في نهب خيراتها وتقتيل شعبها الأعزل يومها - إلى إنجاز أكبر مكسب للمجموعة الوطنية أعطى مضمونا لمسار البناء والتشييد بإعلان الرئيس الراحل هواري بومدين القرار الحاسم بتأميم المحروقات في 24 فبراير 1971. إنّها محطّات مفصلية متكاملة تندرج في نفس التوجه الوطني الذي اختارته الجزائر بشكل واضح لبناء دولة ديمقراطية واجتماعية ترتكز على منظومة القيم الاقتصادية والاجتماعية التي تكرس مبادئ العدالة والمساواة وتوسيع مساحة الحقوق الاجتماعية المجسدة لروح أول نوفمبر وأولها كرامة الإنسان، وذلك من خلال العمل والتعليم والصحة وتكافؤ الفرص والقدرة الشرائية، والأكثر أهمية خاصة في ظل التحولات التي تدفع إليها العولمة حماية المكاسب المحققة من خلال الرفع من وتيرة العمل في كل المواقع والالتزام كل في موقعه بالدفاع عن الاقتصاد الوطني بجميع مكوناته، وإدراك المخاطر الناجمة عن أي تعثر أو تهاون في مرحلة تحول فيه الصراع الدولي من احتلال الأقاليم إلى السيطرة على مصادر الثروات في العالم. وفي هذه المرحلة الحرجة بفعل تداعيات الصدمة المالية الخارجية وحرص الدولة على مواصلة مسار الاستثمار والتنمية ضمن معايير النجاعة، ما أحوج عالم الشغل في المجال النقابي وفي الميدان الاقتصادي الإنتاجي إلى شجاعة والتزام وإخلاص ووفاء تلك الأجيال التي غيّرت في ظرف زمني وجيز، مليء بالمعاناة والويلات، معالم الاستدمار وقارعت جيوشه الجرارة بإرادة فولاذية لا تلين وبتضحيات مشهود لها قلما يقوم بها غيرهم، وأنجزت مهمة البناء والتشييد التي لا تزال معالمها تنبض إلى اليوم رافضة الانكسار. لذلك فإنّ خير وفاء، بعيدا عن شعارات لا تسمن ولا تغني من جوع بفعل ثقل الأزمة، ودون الشعور لحظة بالضعف، أن يتم اعتماد خيار تكريس الاستقرار الضامن لتوضيح الرؤية بالتفاف كافة الشركاء الاقتصاديين والاجتماعيين، عن قناعة صريحة لا مجال فيها للابتزاز أو المساومة، حول خيار مواجهة الوضعية من أجل تجاوزها بالعمل أكثر فأكثر وتحرير المبادرات الخلاقة للقيمة المضافة والانخراط في مسار ترشيد النفقات ونبذ الفساد والدفاع عن المصلحة الاقتصادية الوطنية وفقا لمعايير المنافسة محليا ودوليا مع تنمية الانفتاح على الشراكة الأجنبية التي تستجيب لشروط النمو الضامن للخروج من دائرة الخطر في ظرف زمني قصير. ولنا في مآثر صناع الحدثين الرمز، الدرس الأول والأخير، إنّها الوطنية التي تتجاوز بكثير الطموح الشخصي وتصب في الأفق البعيد للأجيال المتعاقبة.