يمكن لمسار الشراكة الجزائرية السعودية التي جسدت في الأسبوع الأخير جملة من المشاريع الاقتصادية في مختلف القطاعات أن يوسع من دائرة مشروع التكامل العربي المفتوح على الفضاء الإفريقي والأسيوي وتدعيم الثقل في المنطقة المتوسطية. غير أن ما تم تحقيقه إلى اليوم (16 مشروعا مسجلا بين 2002 و 2015 بمبلغ مالي يقدر بـ 416 مليون دولار) لا يزال بشهادة الجانبين أقل بكثير من مستوى الامكانيات المادية والبشرية المتوفرة في البلدين.
تعكس الزيارة الأخيرة لرجال الأعمال من الأشقاء السعوديين مدى إدراك أهمية إعادة التموقع في الأسواق الاستثمارية التي توفر فيها السوق الجزائرية مناخا تنافسيا مع جميع الضمانات مقارنة بأسواق مماثلة أخرى. ويتميز الاستثمار في الجزائر مثلما وقف عليه الشركاء بوجود خارطة طريق باتجاه النمو وإنشاء الثروة من خلال توظيف الموارد المالية في مشاريع إنتاجية مطابقة لمعايير تنافسية في الأسواق.
يمثل هذا التعاون- القائم على معايير الجدوى والمردودية بحيث يدرج العمليات الاستثمارية في صلب انشغالات واحتياجات البلدين بما يقلل من التبعية لأسواق أجنبية لطالما استفادت من الفراغ ويعزز القدرات المالية للبلدين في عز أزمة الصدمة المالية الخارجية - نموذجا آخرا يثري مشهد التعاون العربي المشترك الذي يتطلع لآفاق جديدة بمناسبة انعقاد القمة العربية المقبلة بالأردن.
إن الاقتصاد بجميع جوانبه الاستثمارية والتمويلية والتسويقية هو الاسمنت النوعي للتكامل العربي، وقد يكون أحد المفاتيح العملية لمعالجة جملة من المشاكل التي تعطل التقارب العربي وتعيق عجلته في ظل أزمة هيكلية عميقة أصبحت مزمنة تلاحق الاقتصاد العالمي وتهدد مستقبل اقتصاديات البلدان العربية خاصة النفطية منها، مما يفرض بشكل حتمي إعادة صياغة الخيارات نحو دخول معترك بناء اقتصاد متنوع وإنتاجي خارج المحروقات والتأسيس إلى مرحلة اعتماد الطاقات البديلة للإفلات من دوامة سوف تلتهم كل سوق لم تبادر بهذا الخيار الحيوي.
لعلّ من خلال جمع القدرات واندماجها يمكن بلا شك انجاز التحوّل وفقا لقاعدة تقاسم الأعباء والمنافع التي تعود بالفائدة الملموسة على البلدين من حيث الإمساك بخيط النمو وتأمين السوق الداخلية ضمن رؤية شاملة للأمن الاقتصادي والمالي. بل أن أكبر مكسب يتولد عن مثل هذا المسار المساهمة الملموسة في التصدي لظاهرة البطالة وتوفير مناصب وفرص عمل للمواطنين خاصة الشباب وبالذات حملة الشهادات الجامعية والكفاءات التي كلفت البلدين موارد مالية طيلة عشريات ينبغي أن يتم استرجاعها من خلال إدماج هؤلاء في الدورة الاقتصادية الخلاقة للثروة.
إذا كان مفهوم الأمن يقوم على العناصر التقليدية فإن مفهومه الحديث يقوم على تلك العناصر مع إضافة عناصر القدرة الاقتصادية والمناعة المالية في مواجهة الأزمات التي تتولد عنها تداعيات اجتماعية تهدد الاستقرار محليا وإقليميا ويستغلها منافسون وخصوم في الأسواق يؤرقهم تعزيز هذا الانفتاح بين الشركاء من البلدين اللذين يؤسسان
لمحور فاعل، إذا توسع مجاله ليشمل كل القطاعات الإنتاجية، سوف يغير من طبيعة الوضع الإقليمي الراهن لفائدة الشعوب التواقة للتنمية وإدراك مستويات متقدمة من الرفاهية المشروعة.
التكامل العربي المفتوح على الفضاء الإفريقي والأسيوي
سعيد بن عياد
20
فيفري
2017
شوهد:476 مرة