عظمة الثورة لم تكن في حمل البندقية ومجابهة العدو فقط، بل كانت مرافقة للابداع والكتابة والادب، فكانت سلاحا في وجه الطغمة الاستعمارية، على كل المستويات، الدبلوماسي والعسكري والسياسي والثقافي.
ان تكتب في ظروف طبيعية لا يشوبها أي خطر أو مانع فذلك أمر عادي جدا، أما ان تبدع في ظروف استثنائية قاهرة، فذلك تحدٍ بكل المقاييس والمفردات، ان تتقن لعبة الابداع في كهوف الجبال من خلال التمركز والتمويه والذود عن الوطن، فتلك قسمة ضيزى ليست بالسهلة أمام المخاطر المنتظرة من كل مكان.
الكتابة الأدبية كثيرا ما أحرجت فرنسا الاستعمارية، وخلخلت مكانتها كقوة استعمارية يُحسب لها كقوة مؤثرة في العالم، بدليل أنها قطعت حبال الوصل بين الفئة ووطنها، في محاولة خرافية لصد هذه الطاقات الابداعية عن دعم الثورة والكتابة عن بطولاتها، أو تصوريها كحقل ابداعي فيه الكثير من صور المقاومة والتصدي ومجابهة تأثيرات الاحتلال بكل أشكالها.
انتشر الابداع الأدبي في فترة الاحتلال يحمل في خلفيته رصيدا معرفيا وفكرا تحرريا ضد كل أنواع الهيمنة والسيطرة، جاعلا من الحركات التحررية في العالم قدوة، حملتها النخب الجزائرية على عاتقها، كسر بها القيود والرقابة المفروضة على الكتابات والنصوص التي رضعت من حليب الثورة التحريرية، رافق الثورة عبر حصونها المنيعة الى خارج الديار وعلى الاراضي الفرنسية فكانت الرواية والقصة والشعر والمسرحية والأشرطة الوثائقية وغيرها من الاعمال الادبية الأخرى .
كثيرة هي الكتابات الابداعية التي خلدت أحرفها من ذهب ورسمت خارطة طريق للأخر، أصحابها كتبوا عن الحرية والانعتاق، وآخرون أدوا على شرعية الاستقلال والبقية ظلت وفية الى مبادئها الابداعية الى ان قضت نحبها غير مبدلة، ندرس اليوم كتاباتهم ونحلل مضامين أعمالهم الادبية الكثيرة الرائدة منها في سماء الادب وتلك التي حملت لواء العالمية من بابه الواسع، الادباء الشهداء الذين بقيت أرواحهم تعانق الامكنة في غيابهم، لن يكونوا في أريحية إلا بعد ان تحفظ لهم الاجيال الحالية والصاعدة ذاكرتهم وتحميها من الزوال .